الانتخابات والبحث بين المتلاشيّات
بدأت بوادر احتدام التسخينات الحزبية في الأفـُق، بعد أن دخلت النّـصُـوص التّشريعية المُتعلّقـة بـالجماعات و الغـُرف المِهنية و قــانـون الجهوية ، مـراحلها النّهـائية و تـمّ عـرضها على الأحزاب السياسيّة الّتـي منْهـا من صفق ــ كعادته ـــ وفيها من عـارض َ، ـ كـعادته أيضًا ــ دُون أن يترُك لهمُ حَصاد مجــالا للمُـراوغـة ، إذ الحسم كـان “حاسمًا” .ا….فلا لوائح انتخابية جديدة، ولا هيئة عُليـا مُستقلة لمُراقبة الانتخابات، ولا “إشراف” لرئـاسة الحُكـومـة ، بل إنّ رئيسَ الحكومـة نفسه حذّرَ حزبه وغ يره من الأحزاب الصديقة، المُــؤتلفة ، من التّشْكيك في نزاهةِ العُمّـال و الـوُلاة الّـذين سيُشرفــون على تـأطيـرِ هذه الاستشارة الشعبية الجديدة والمِحوريّـة، ، بما يُلزم من الحُريّـةِ و النّـزاهة و “الشفافية“….
الأحزاب آمنت أخيــرًا بأنّهـا فـَوتّـت الفُرصـة على نفسها، وقَبلت باللّعبـة كمـا هي ، أو كَما فَرضتها الظُـروف الجديـدة ، لا كما أرادتها المُعارضة التي زادَتهـا الانشطارات الداخلية ضُعفًـا وهَوانًـا خـاصة بـالنّسبة للاسْتقـلال والاشتراكي والحركة، التي انهكتها الخِلافات والانقسامات البعيدة عن المعتقد السياسي أو الأيديولوجي.
ويبدو أن بعض الأحزاب قد شَعرت بخطورة الموقف وآمنت بضَرورة فعل شَيء ما لتَدارُكِ المَوقــف، على مُقربة من اسْتحقاقات 2015 التي لا يفصلنا عنها إلا بضعة أسابيع…..
وهكذا “لَـمْلَـم” حزب الاستقلال حاله و جمع شباط ما تبقى من مِصداقية حِزبه ليقنع خُصوم الأمس بحَتْمية “التَحالُـف” المرحلي وبضرورة “طي صفحة الماضي“، عَمــلاً بمَبْـدإ “لا تـوجــد عَداوات دائمة أو صداقات دائمة ، وإنما مصالح دائمة” (.ا)…….
وفي إطار هذه “المصالح الدائمة” يندرج السعي إلى “استقطابات آخر ساعة”، كـوسيلة لتجديد الـذّات والظُهــور بـ “لـوك” جديد من أجلِ التّمـويهِ والمُراوغـة والـدَغَـل، ليس إلا…. يقوي اقتناع المواطنين بأن مل ما في الأمر لعبة في لعبة.
تعلق الأمر بـ “لقاء” سياسي “هام” جمع بين شَباط زعيم حزب الاستقلال و إلياس العماري, الرجل الثاني في حزب الأصالة والمعاصرة. هام، لأن مجرد اجتماع الرجلين تحت سَقف واحد أمر يبعثُ على العَجب ، لا، بل يدل على قدرة ” الـزعمـاء” الخـارقـة ، على تغيير جلـدتهم، تمامًا كما يغيرون مَعاطِفهم كـل يــوم….. و الـرّأس التـي لادَوْر كديـة .
الجميع فهم أن حضور شباط إلى طنجة ــ التي يعرفها أبناؤه جيدا ــ كان بهدف السعي إلى عودة الروح لحزب الاستقلال الذي فقد بريقه منذ زمن طويل بهذه المدينة التي كان “يصول ويجول ويرتع بها، زمنا طويلا قبل أن يخبو وتتراجع سطوته ونفوذه.
وما دامت الحياة “تجدد دائم”، فلا بأس من أن “تغامر” الأحزاب، وهي على حافة امتحان عسير، بمحاولة استجماع قواها ولو عبر “استقطاب” أو “شراء” لاعبين جدد، حتى وإن كانوا من مشارب مختلفة أو حتى “معاكسة”، العبرة هي في القوة العددية التي يعتز بها “العدو المشترك”: بنكيران وأغلبيته.
ولم يُخيب شباط والعماري ظنّنا فيهما، فقد التَقيــا بطنجة ليرسُما “خـارطـة طـريـق” انتخـابيـة ، بعـدَ أن أيْقنــا أن طـريـق أولاد الأربعين العريقة التي ارتبط اسمها بجميع المحطات الانتخابية بالبلاد، طريق سالكة في الاتجاه “الصحيح”، وأن من قصدها لا يخيب أبدا.
أخبار شباط والعماري تحدثت عن لقاء تم بمنزل السيد عبد السلام الأربعين الذي غاب عن المشهد السياسي منذ فترة طويلة، بعد أن ترأس مجلس جماعة الشرف والمجموعة الحضرية قبل إحداث نظام المدينة الموحدة، وبحضور السيد عبد الرحمن الأربعين المنسق الجهوي للحركة الشعبية العنصارية الذي قالت بعض الروايات إن التحاقه بحزب الاستقلال صار مسألة وقت.
إلحاق عـائلـة الأربعين بحــزب الاستقلال ، في أفُــق “تحـالُـف استراتيجي” مــع الأصالة والمعاصرة، أمر قد يمكن التحالف الجديد الذي سوف يتعزز بحزب معارض آخر، الاتحاد الدستوري، يمكن أن يفهم على أنه مخطط مدروس لمواجهة التقارب الذي بدأت بوادره ترتسم، في أفق “تفاهم انتخابي محتمل” بين التجمع والعدالة والتنمية، خاصة وأن قادة الحركة الشعبية، بعد “الهزات” التي شهدتها مؤخرا، لم تظهر بعد نواياها بشأن طبيعة مشاركتها في الانتخابات المقبلة. فرض لونيهما على المجالس الجماعية المقبلة بطنجة، ضدا على حزب المصباح وحزب السُنبلة الذي يمكن اعتباره الخاسر الأكبر من لقاء طنجة . بينما يبدو أن “البام” مصر على الاحتفاظ بمكسبه “الثمين” في قيادة مجلس طنجة الجماعي ، بل ويـود لإضافــة مَكْسب جديـد ، لا يـقل أهمية عن الأول، ضدًا، هذه المرة، على حزب التجمع الوطني للأحرار.
فقد تعدّدت الروايات حول اسْتقرار بنْشماس، القيــادي فـي حزب الجــرار، بمدينة طنجة، وتخليه عن جماعتهِ بالـرباط، بعد أن يكون قد “رمى عينه” على كرسي رئاسة الجهة “المضيقة” في انتظارالجهة “الموسعة” (.ا)… والتي يسعى حزب الأصالة والمعاصرة إلى جعلها رديفا ” للريف الكبير” الذي يمتد من حدود وجدة إلى “حدود” عرباوة .ا.ا.ا….
ولكن، يبدو أن الأحْـزاب الثـلاثـة ، ومَعَهــا الحَركـة الّتـي ضَيّعــت بعْـض ريشها فــي المُسابقةِ ،لـم تـأخُـذ في حُسبانهـا وهي في نَشْوة التحـالـف و الـتآلــف من أجلِ “القَضــاء” على الخَصْــم المُشتـرك ، “المعلـوم أن هـذا الخَصْــم يتمتّـع بكـامـل قــواه البدنية و العَقليّة ، وأنــه لم ينتظر ساحة الحسم ليبدأ “حملته”، هو، بالبحث عن الوجوه (أو الجيوب) الــواعـدة، بـل إن عملهُ السياسي على مُسْتَـوى اللّجـان الـوطنيّة و المكـاتب الجهـويـّة والهيئات والمنظمات الموازية، لم ينقطع منذ اللانتخابات الماضية التي جعلته يحتل المكانة الأولى بين الأحزاب “العتيدة” والأحزاب “الـريعيـة ” ذلك أن مُنـاضلـي هـذا الحـزب يحملــون “ إيديولوجية ثـابثـة ، يؤمنون بها ويعملون لدعمها وتصحيحها وانتشارها باستمرار، بينما غيرهم من مناضلي الأحزاب الأخرى ينشغلون بالكراسي والمناصب والمهاترات الكلامية التي وصلت، مرة، إلى استعمال الأيدي والأسنان أيضا، و”البونية” داخل البرلمان، لحظات فقط بعد افتتاح الدورة الجديدة بحضور جلالة الملك .
وإذا ما تمت الأمور كما يظهر من المشهد المرسوم بعد التحـالُفـات الأخيـرة ، فـإن هدفَ أحـزاب الاسْتقــلال و الأصالــة و المُعـاصرة و الاتّحــاد الدستوري والحركة الشعبية، هو الهيمنة السياسية على التشكيلة المقبلة للمجالس المُنتخبة المَحليّة بـعد إضافـة الأحــرار و قَطْـع الطـريــق على حزب العدالة والتنمية، الذي يخشى أن يخدع الجميع ويتصدر النتائج، خاصة واستطلاعات الرأي الأخيرة (ليكونوميست و سينورجا) كشفت عن تنامي شعبية بنكيران التي فاقت 45 بالمائة في مارس سنة 2014 وان فئة “الراضين جدا” عن أداء بنكيران ازدادت توسعا وانتشارا، حتى أن 48 بالمائة من المستجوبين عبروا عن رغبتهم في بقائه على رأس الحكومة لولاية ثانية، بينما تقف المعارضة لضعفها وتشتتها وانقساماتها المتواصلة، في موقف العاجز عن المنافسة، الأمر الذي ساهم في عزلها وضعف مصداقيتها لدى أغلبية المستجوبين.
فهل دخلت أحزاب التحالفات الجديدة المعارضة، مرحلة الأشواط الإضافية، بحثا عن حلول لإنقاذ ماء الوجه ؟
ننتظــر لنـَرى .
عزير كنوني