هل يفقد الإنسان قيمته ؟
المَخلُوق الـوَحيد الّـذي نالَ شرفَ التّكريم في النّصِ الشّرْعي، والرسالة الـربّانية، هُـوَ الإنسانُ = مركز الكون، قال تعالى: (ولقد كرمنا بني ءادم)؛ وقال الرسول صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم: (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ) فالإنسان هو المخلوق الذي أكرمه الله بالعقل وجعله خليفة في الأرض، سخر له كل الكون وكل الدنيا كي يعيش في سلام وتقلب، سخر له الأرض وجعلها صالحة له: (ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا متاعا لكم) ومن تسخير الأرض أن جعلها متناسبة الحرارة والرطوبة، كي يضمن له الحياة، بينما كواكب أخرى تختلف ما بين شديدة الحرارة أو البرودة لا تصلح للحياة، ولا تناسب استقراره بها، وسخر له الثمار ومختلف الأطعمة كي ينعم على مختلف الفصول، كل زمان وخيره، أو لنقُلْ: كل فصل وما يناسبه، حتى لا يكل ولا يمل، ونوَّع له في العبادات حتى لا يستقر على حال واحد: قيام، قعود، ركوع، سجود، تأمل، صيام، إفطار …
ومن دلائلِ تَكْريم الإنْسان تكْليفه و بُعثة الرُسل إليه، وتشريع الحُدود والأحكام كي يعيش على البَسيطة بسَلام، بلُغة أخرى لم يدعه يَخبط في مجتمع غَابوي تسودهُ الْهَمَجية والانْفلات.
ولكن السُؤال الذي يطرح في الظُروف الصعبة، و أزمنة التدهور هُو : هل يفقدُ الإنسان قيمتهُ ؟ <= هل للإنسان تـاريخ انتهـاء الصلاحية ؟
القضاء الشرعي الرباني، والذي كله حكمة، يقف/يحول دون ذلك، ويكرم الإنسان حيًا أو ميّتــًا، كَــافرا أو مومنًا، لا يبخسه حقا ولا يهينه، وما محاربة الإسلام للنخاسة والاستعباد إلا دليل ملموس على ذلك، وكذلك أحكام الذمي شاهدة على ذلك، والأحاديث كثيرة في هذا الباب منها مثلا: (ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة).
هذا مع الذمي الغير المسلم ، قدره وحافظ على حقوقه وحماه وكرمه فقط لأنه إنسان، ونجد الإسلام كذلك كان له موقف واضح في التمثيل بالجثث في الحرب إذ توعد الرسول من قام بذلك، ونهى كذلك عن قتل المرأة والطفل والشيخ غير الحربيين.
كلنا يعلم قصة رسول الله مع جنازة اليهودي التي مرت به، فوقف احتراما لها، فاستنكر عليه الصحابة وقالوا: إنها جنازة يهودي ! فرد عليه السلام: أليست نفسا ؟ ولعل هذا هو ما جعل جل المغاربة يقولون: “الروح عزيزة عند الله” وكم في هذا المثل الشعبي الكبير من دلالات هائلة، وألطاف إيمانية كبيرة، وقيم إنسانية نبيلة.
هنا نطرح السؤال الوجيه على ما نَرى: هل نحترمُ الإنسان ؟ الجواب لكم بعد أن أُورد شيئا يسيرا من أحداث الأيام القلائل الماضية، والتي وصلتكم أو يمكنكم التعرف عليها عبر مختلف نوافذ الإعلام.
بَنات بسطات يبتن على الأرض والأرصفة بعد أن حرمن من السكن الجامعي، ومغاربة أُجل إنقاذهم حتى أُنقذ الألمان … كلمة في الصميم نطق بها مغاربة مُقصون: فقدنا المروحية التي أتتنا بصندوق الاقتراع 2011 ! ومن ثم لم ير المغاربة رئيس الحكومة يتوجه إلى أرض الحدث أو يصرح يومئذ بخطاب أو كلمات، بل وجدوه منكبا على أعما ل حزبية بوجدة، ولم يجد المغاربة مردا ورحيما لهم بعد الله غير الأب الأول، جلالة الملك المنصور بالله الذي تكفل بما لا يستطيع أن يراه غيره ولا في الأحلام … هذا بعضٌ من كلٍ كثير مما قراناه وسمعناه خلال أيام قليلة.
بهذا هل يكون الإنسان يعني عندنا شيئا ؟ وهل نعتكف على دراسة شؤونه واحتياجاته لنوفر له العيش الكريم ؟
هنا أعود إلى مبادرة جلالة الملك في الحث على العناية بالرأسمال اللامادي = الإنسان، من ذلك المكان المرموق الذي ألقي به الخطاب والذي شاهده العالم أجمع في الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ دعا العالمَ أجمع إلى احترام الإنسان، فهل استجابت لهذا الخطاب حكومتنا المصونة ؟ وهل تسهر علينا كما هو مطلوب ؟ أم أن حكومتنا لا تدشن لنا غير قناطر لا يتجاوز عمرها الأربعة أشهر ؟
هناك دول لا تمتلك ما لنا من الخيرات التي جعلتنا على مختلف التاريخ محط أطماع الطامعين، ومع ذلك كابدت وناضلت بالفعل حتى استخلصت من التخلف والبؤس والأمية والجهل … وخاصة بالعناية بالتعليم، كاليابان، هولاندا، بلجيكا، تركيا، كوريا الجنوبية …
حين نعْتني بالإنسان نصل ذروة ما كنا لا نراه إلا في الخيال، نحن في أنس الحاجة إلى الحاجة إلى احترام الإنسان، واعتباره كائنا مقدسا، لا مجرد لعبة وسط هاته المملكة الشريفة، يصوره أساتذته بالقسم ويضعونه بالإنترنت تنقيصا منه ونيلا من كرامته كما حدث مؤخرا، أو هو ظهر أملس “للزرواطة”.
الإنسان كما عرضت النصوص الدينية، وكما فهمها العلماء حتى من غير المسلمين، من أمثال كانط ونظرائه ممن وقفوا صامدين دفاعا عن الإنسان؛ قال تعالى (إن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين)، فهو عقل للفكر والإبداع والإنتاج … ثروة لا مادية لا تقدر بثمن، زوال الدنيا وما فيها أهون وأحقر عند الله من زوال روح واحدة.
= الإنسان ثروة قبل العمران.














