مغرب خارج الزمن الحكومي…
أعَادتِ الأمْطار الطُوفانيّة الّتي عَرفتْها العَديدُ منَ مَناطقِ المَمْلَكَةِ، خَاصةَ الجَنوبية منْها، إلَى الأذهانِ مَقولة المغرب النافع والمغرب الغير النافع،
المغرب العميق،
مغرب الهوامش،
مغرب تنْتفي بهِ أبسط مُقوّمَات العَيْش الكَريـمِ،
لا طرق…
وإن وجدت، فَحالتها مُتهالكة…
لا ماء شروب لا كهرباء…
مغرب معزول قسرا عن المخططات التنموية التي يسوقها الوزراء بالعاصمة الرباط…
مغرب يعيش خارج الزمن الحكومي…
ما وقع فضح بالدليل والبرهان زيف الخطابات الحكومية المبشرة بزمن الاعتناء بالفقراء و المهمشين…
التساقطات المطرية بقدر ما خلفته من خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات، بقدر ما عرت بالمكشوف الخطب الرنانة حول الحرص الحكومي على إعادة التوزيع العادل للثروات، وإعمال مفهوم العدالة المجالية عبر مجموع التراب الوطني،
ما وقع فعلا كارثة بكل المقاييس،
ضحايا جرفتهم السيول في غياب تام للإدارة وللسلطات العمومية ولوسائل الإنقاذ…
جثث الضحايا تم نقلهم في شاحنات لجمع النفايات من دون أي اعتبار لصون حرمة الموتى…
قد يدعي البعض أن الحكومة فوجئت بهول الكارثة، و أنها لا تتوفر على وسائل التدخل المناسبة في مثل هاته الحالات…
لكن ما لم يكن يخطر على البال، هو موقف العديد من الوزراء، الذين فضلوا إعطاء توجيهاتهم للمواطنين على صفحات التواصل الاجتماعي….
أكثر من وزير عوض أن ينتقل إلى المناطق المنكوبة، ويعبئ إمكانيات قطاعه الحكومي لمواجهة الكارثة، اختار تحذير المواطنين من خطورة الوضع عبر الفايسبوك، ناصحا إياهم بعدم المغامرة وتأجيل السير عبر الطرقات إلى حين زوال الأخطار…
الله ينفعنا ببركات هاته الحكومة…
الملك لم يتردد في أكثر من مناسبة القيام بزيارة أقصى المناطق النائية، وصور اقتحامه لمناطق موحلة لا زالت بالأذهان…
في حين وزراء الحكومة فضلوا مخاطبة المنكوبين عبر الإنترنيت…
مناطق منكوبة…
لا طرقات…
لا ماء…
لا كهرباء…
لا مدارس…
والوزراء يخاطبونهم عبر الفايس وتويتر…
هل رأيتهم حكومة بمثل هذا الاستفزاز؟…
واش كاين شي إهانة أكثر من هاته؟…
لكن أغرب تبرير سمعته عن غياب الحكومة، وعدم مسارعتها بالتدخل في المناطق المنكوبة، هو الذي نشر بأحد الصحف الموالية لرئيس الحكومة، حيث أرجعت عدم تنقل رئيس الحكومة، وباقي الوزراء إلى التدخل الملكي في الموضوع…
وهذا يعني بصريح العبارة أن تدخل الملك يعفي الحكومة من التحرك، حتى لا تظهر هاته الأخيرة في صورة المنافس لتحركات الملك….
وهذا تلميح لن تغيب خطورته عن أي متتبع…
هناك اليوم إصرار على الاختباء وراء الملك للتملص من المسؤولية…
هل يعقل أن ترجع الحكومة سبب تقاعسها إلى التدخل الملكي؟…
الحقيقة التي لن تخفيها التبريرات المختلقة، هي أن الفيضانات التي اهتزت لها العديد من مناطق الجنوب كشفت الفشل الحكومي الذريع في تنزيل التزاماتها على أرض الواقع…
أين نحن من وعود تحسين مستوى عيش الفقراء؟…
أين نحن من التزامات تأهيل المناطق النائية و المهمشة؟…
الحكومة بررت رفع الدعم عن المحروقات، والزيادة في الماء والكهرباء، لصرف الأموال المتحصلة منها على الفقراء والمستضعفين، وتحسين البنيات التحتية، لكن الواقع يفضح عكس ذلك تماما…
قد يدفع البعض بعدم تحميل الحكومة مسؤولية ما حدث، بسبب انعدام البنيات التحتية، وتهالك الطرق الموجودة، وهذا له نصيب كبير من الحقيقة…
لكن ما ذا سنقول في القناطر التي شيدت منذ شهور وانهارت بالكامل، بمجرد هطول القطرات الأولى من الأمطار؟…
ينبغي على الحكومة تحمل كامل المسؤولية فيما وقع، مثلما يجب تشكيل لجان للتقصي فيما وقع من أحداث مؤلمة، وترتيب المساءلة في حق كل من تأكدت مسؤوليته..
لم يعد مقبولا بأي حال من الأحوال أن يتم تجميد تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في مغرب ما بعد دستور 2011..