مولاي أحمد الوكيلي حاضر بطنجة
من خلال إطلاق اسم مولاي أحمد الوكيلي على أحد الأحياء بالحافة، تكون طنجة قد خلدت هذا الإسم من بين الأسماء البارزة التي وشحت شوارع وأزقة وأحياء المدينة، ومولاي أحمد الوكيلي لاشك أنه مرفي يوم الأيام من هذا الحي عندما كان مستقرا في طنجة سنة 1936 وقضى بها عشر سنوات كلها عطاء.
البادرة جاءت من مجلس مقاطعة طنجة المدينة الذي وافق بجميع أعضائه على الملتمس الذي تقدمت به جمعية غرسة غنام، ليكون الإعلان في حفل موسيقي أندلسي ساهر احتضنه منزل الحاج العربي الهواري الكائن بحي الحافة يوم السبت الماضي، بمشاركة الجمعية المغربية للموسيقى الأندلسية والروحية، برئاسة أحد تلامذة مولاي أحمد الوكيلي الفنان محمد العروسي، إلى جانب أمهر العازفين من طنجة وخارجها.
هذا الحفل الذي حضره بعض أفراد عائلة مولاي أحمد الوكيلي، وممثلو الهيئات المنتخبة والجمعيات وفعاليات المجتمع المدني، وتتبعه جمهور غفير من محبي طرب الآلة بطنجة، وقام بتنشيطه الإعلامي المتمكن بإذاعة طنجة الزميل حميد النقراشي، استهل بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، كما اشتمل على حصتين من الطرب، الأولى اشتملت على تواشي نوبات الآلة، وميزان بطايحي رصد الذيل، وقدام رصد الذيل. أما الحصة الثانية فقد اشتملت على ميزان درج الحجاز الكبير، وانصراف بطايحي الحجاز الكبير.
وخلال كلمته بالمناسبة، أشار رئيس مقاطعة طنجة المدينة يونس الشرقاوي أن الحفل يأتي في إطار انفتاح المقاطعة على محيطها العام الذي يتميز باحتضانها للتراث التاريخي والتنوع الثقافي والفني الذي تزخر به طنجة، مما مكنها من تبوء مكانة مرموقة وطنيا وعالميا، وأيضا من أجل تمتين هذا التراث اللامادي الغني والمتنوع، كما يأتي هذا الحفل لإعطاء الإنطلاقة لتسمية بعض الأحياء والفضاءات التي تقع ضمن النفوذ الترابي للمقاطعة، وذلك لإبراز وتكريس المكانة التاريخية والفكرية والعلمية والثقافية لمدينة طنجة، بإطلاق أسماء شخصيات بارزة و مرموقة على بعض الأحياء والفضاءات والشوارع، ومن بين هذه الشخصيات مولاي أحمد الوكيلي،
هذا الرجل الذي بصم بإبداعاته الساحة الفنية المحلية والوطنية، وتتلمذ على يديه ثلة كبيرة من رواد الموسيقى الأندلسية، الذين أصبحوا اليوم في خانة الفنانين المرموقين، وأبرز رئيس المقاطعة أن الحفل يدخل في إطار تصوُرات المُقـاطعة للنُّهوض بالأنشطة الثّقافية والفنيّة، وتشجيع الحَركة الجمْعويّـة عبْرَ الانفتاح على الجمعيات و فـعاليـات المجتمع المدني، و إشراكه في جميعِ الأنشطة والمُبـادرات التي تقومُ بها المُقـاطعة، وذلك في إطار سياسة القرب والتـواصُل والمشاركة والمواكبة التي تنهجها المقاطعة، والمستمدة من مبادئ الحَكامة الجيّدة في التّسْييرِ، وتدبير الشأن العـــام.
أما رئيس جمعية غرسة غنام حسن السملالي فقد ذَكرَ بفكرة إطلاق اسم مولاي أحمد الوكيلي على أحد الأحياء بالحافة، مُشيرًا إلى أنّهـا كانت من اقتـراح الحاج العربي الهواري الذي يعتبر عضوا مؤسسا لجمعية غرسة غنام، من خلال ملتمي قدم لمجلس المقاطعة قصد المصادقة، إلى جانب تسمية الحديقة المتواجدة بمسجد محمد الخامس التي أطلق عليها حديقة العلامة عبد الله كنون، وكذلك إطلاق اسم العلامة عبد العزيز بن الصديق على عقبة القصبة، مشيرا بأن البادرة تأتي لرد الإعتبار لهذه الشخصيات التي عاشت في هذه المدينة وأعطت الكثير، حيث كان لزاما الإعتراف بالجميل، وتأتي هذه الإلتفاتة الرمزية كمنطلق للتفكير في تكريم شخصيات أخرى عاشت في هذه المدينة، من أدباء وكتاب وشعراء وموسيقيين، باعتبار أن طنجة كانت ولازالت قبلة للمفكرين والمبدعين الذين وجدوا فيها المكان الملائم لعطاءاتهم وإبداعاتهم، مدبنة كانت تألف وتؤلف، وتسع لكل الوافدين.
السمر الموسيقي الذي احتضنه منزل الحاج العربي الهواري كان على موعد مع تكريم ثلة من خيرة العازفين المبدعبن بطنجة، اعترافا بما قدموه من عطاءات إبداعية وفنية، حيث تم تكريم كل من الشيخ أحمد الزيتوني رائد من رواد الموسيقى الأندلسية، والفنان محمد البراق العازف المعروف على الكمان، والفنان المطرب مصطفى التسولي، وعازف العود العربي السوسي، وعازف آلة الإيقاع المختار الطليكي ورئيس جمعية أبناء البوغاز عبد المجيد المودن.
مولاي أحمد الوكيلي ــ كما قال الإعلامي الباحث الموسيقي الزميل عبد الحميد النقراشي ــ كان يرتب أصابعه بمنتهى الدقة وهو يعزف بيسراه نوبات وتهاليل مشدودة إلى حنين زمن الوصل بالأندلس، الأصل والمنبع الذي نهلت وتنهل من معينه، عاش زمنا في دنيا الفن الراقي، ورحل تاركا رصيدا هائلا من الإبداع الأصيل في طرب الآلة، وهو يعتبر قيمة، ولولاه لفقدت هذه الموسيقى نوباتها وطبوعها، مولاي أحمد الوكيلي علم شامخ قلما يجود الزمان بمثله، رحل كما ترحل شمس المساء في الخامس والعشرين من نوفمبر من سنة 1988 لكن ذكراه ظلت باقية في وجداننا، عاش نغما خالدا أثرى ويثري أسماعنا متى بحثنا عن عمق الأصالة والجذور والإنتماء.
م . الحراق