النّساء و ……الشّغل الناقص
طَلع عليْنا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تَقْرير صَادقت عليه جَمْعيته العـامـة ، مُؤخـرًا ، حوْل مُقارنة أجور النساء بالرجال في سوق الشغل، بعبارة “الشغل الناقص” . قد تكون هذه العبارة “مألوفة” في بلاد ما وراء عرباوة، ولكنها “مجهولة” عندنا بالشمال، لأعتقادنا بأن الشغل شغل وليس فيه ناقص أو كامل، المهم أن يُعطى الشغيل أجره “قبل أن يجف عرقه” وهو حديث شريف رواه عبد الله بن عمر.
مجْلس البركة، “تفصّح” كثيرًا في حديثهِ عن أجُور النّساء بالمغرب، اهتدى إلى القول إنه تقلّ ب “الربع” عن أجور الرجال، بالرغم من قلة المعطيات بهذا الشأن، على أنه أت المجلس اعتمد على التقديرات الدولية التي “رَمت” بالمغرب إلى المرتبة 130 ، بعيدا عن بلدلن عربية وإفريقية ، خاصة وعدم التصريح بالنساء العاملات لدى صندوق الضمان الاجتماعي لا يُسهّل مأمورية أهل الإحصاء، حيث إن المجلس ذكر أنه لم يتم التصريح إلا بنحو ثلاثين بالمائة من مجموع الأجراء المصرّح بهم سنة 2012.
ولندخل الآن إلى عالم الرواتب، فقد صرح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أنه خلال سنة 2013 بلغ مُعدّل الراتب المصرّح بع للنساء 4171 درهما، مقابل 4941 درهما للرجال، بما معناء أن النساء “ينتجن” 3.6 بالمائة مقابل 8,4 للرجال.
وفي تحليله ــ الذي تطغى عليه أدبيات التقارير الحكومية ــ سجل المجلس أنه بالرغم من الإصلاحات “الورقية”، (بتعبير نعيمة عمار، بطلة المؤتمرالعالمي لحقوق الانسان بمراكش) التي باشرتها الحكومة والتي مكنت من إحراز “تقدم” في مساهمة المرأة في التنمية، فإن فعاليات النساء “تبقى غير كافية” “في ظل غياب رؤية واضحة نحو التحقيق الفعلي للمساواة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين الجنسين”.
وخلص التقرير إلى أن النشاط النسائي يبقى متمركزا في القطاعات ذات “التأهيل الضعيف” ويقتصر على عدد محدود من المهن، حيث أن معظم النساء في العالمين القروي والحضري يشتغلن كعاملات أو مستخدمات ومعظمهن في وضعية “مساعدة في العمل المنزلي”. كما أشار إلى محدودية التكوين المهني بالنسبة للنساء ما يؤدّي بهن إلى “الشغل الناقص” (.ا)….
وخلص أيضا ‘لى أن حصة النساء في سوق الشغل في تراجع مستمر منذ سنة 2000 وأن العمل الغير مؤدى عنه يمثل ثلاثة أرباع العاملات في الوسط القروي والحضري اللائي لا يتوفرن على أي تغطية صحية.
التقرير أوصى بالعمل عبر اتخاذ اجراءات قانونية لتحقيق المساواة في الأجور بين النساء والرجال في الشغل وفي مناصب المسؤولية وتدبير المقاولات. كما أوصى بتغيير مصطلح ” ربات البيوت” بعبارة “البالغات في البيت” والأطفال الصغار ب “الأطفال الغير المتمدرسين”…
فهل تكفي “أدبيات” التقارير و”نظريات” المحللين الاجتماعيين من تغيير الواقع الحالي للمرأة المغربية وهي تعيش بداية الألفية الثالثة بالمغرب الذي جعل من المساواة والمناصفة مبدأ دستوريا واصحا، لا رجعة فيه، وهل بالتوصيات والاقتراحات ننجح في جعل المرأة تتمتع بحقوقها كاملة ككائب بشري وكأنثى توجد مع الذّكر سواء بسواء، منذ النشأة الأولى للخلق، ليصير الناس بعدها شعوبا وقبائل ليتعارفوا، لا تمييز بينهم إلا بالتقوى.
وكيف يشكو تقرير “البركة” من ضعف أجور المرأة مقارنة مع الرجل ومن ضعف إنتاجيتها وعدم ولوجها لمناصب المسؤولية والقرار، والتوجه العام للحكومة يسير في اتجاه معاكس للتاريخ. أليس رئيس الحكومة هو من شبه النساء بالثريات وأوحى بضرورة يقائها بالبيت من أجل أداء دورها “الطبيعي” في الطبخ و “التفريخ” وخدمة ‘البعول” ؟
فهل بهذه العقبية البئيسة تستطيع المرأة المغربية أن تتحرر من “كبت” الرجل النفسي والجنسي وتطير بجناحيها بعيدا في عالم التنمية والإنتاج والإبداع؟ وما ذا تتوقع المرأة من حكومة ترددت، ولا زالت، في المصادقة على مشروع القانون الذي أعدته الوزارة الوحيدة التي تنتسب إلى “عدالته” و”تنميته” والمتعلق بمحاربة العنف ضد النساء ، والعنف ضد النساء يملأ صفحات الجرائد الوطنية يوميا، من تعنيف وضرب وجرح واغتصاب وقتل وتشويه لوجه المرأة بشفرات الحلاقة وبالماء الحارق …….
ليطمئن رئيس الحكومة ومن هم على ناولته وليطمئن كل أصحاب الأفكار المتحجرة.ا.. فإن المرأة المغربي التي فرضت الإحترام على المغرب دولة وحكومة، بفضل نضالها الطويل والمرير، كما فرضت النقاش العام بشأن حقوقها وخصوصياتها وحققت بعض “المكتسبات” قادرة على متابعة السير على طريق تفجير كل معاقل التخلف والتزمت تدفعها قوة إيمانها بحتمية التغيير والتجديد التي هي سنة من سنن الله في الكون، من أجل اضطراد النمو والتقدّم والرقي .