القضاءُ وطنُ الإنسان
جريدة طنجة – عزيز كنوني
الأربعاء 03 ديسمبر 2014 – 16:27:00
قلتُ، وبالرغم من موقفى هذا من هذه الجمعية، فقد سُررت كثيرا لحكم “إدارية الرباط” التي أنصفتها وأدانت وزارة الداخلية.
وكان المفروض في محمد حصّاد أن يُمثل الجيل الجديد من وزراء الداخلية ويلتزم بما يجب الالتزام به من اعتبار القانون قاعدة صلبة لكل القرارات التي يُطلب منه اتخاذها بعيدا عن الاعتبارات المزاجية أو الأمنية، إلا في الحالات المعلومة والتي نصّ عليها الدستور باللفظ والمعنى.
كان المؤمل في محمد حصاد ، وقد مارس مسؤوليات رجال السلطة على مستوى الولاة، وكان قريبا من تظلمات المواطنين وشكاواهم من عجرفة وصفاقة بعض الموظفين وتعسّف بعض الإدارات العمومية التي ينعدم لدى بعض مسؤوليها الشعور بالمواطنة، وبالاحترام الواجب للشعب بموازاة مع الاحترام الواجب لرجال السلطة….كان المؤمل أن يعمل الوزير التيكنوكراط على تغيير نظرة الناس إلى وزارة الداخلية ويُحسّن صورتها لديهم وينتقل بها من “أم الوزارات” “البصرية” التي كانت تتصرف وفق مبدإ “العصا لمن عصى”، إلى “داخلية” مُواطنة، تُشعّ ثقة وأمنا واحتراما وتعاونا بينها وبين المواطنين.
ولكن الوزارة واصلت المسيرة على النهج القديم إلا في بعض “الإضاءات” العابرة حيث استمر التعامل مع التظاهرات السلمية الجديدة بالأسلوب القديم، في غالب الأحوال، كما برزت ظاهرة “المنع” في حق الوجود القانوني لبعض الهيئات وفي حق تنظيم أنشطة هيئات أخرى موجودة قانونا، ولكن أنشطتها لا تروق للوزارة لاعتبارات إما مزاجية أو أمنية أو لأن مواقف هذه الهيئات تزعج الأركان، خاصة حين تتصل بأسلوبها في الدفاع عن حقوق الانسان وفي مُعاندة مواقف الحكومة وأسلوب الخطاب الحكومي. فهل مواقف الحكومة وممارساتها منزّهة عن الخطأ وعن النقد، أو إنها مقدسة وفوق القانون ؟
الجواب جاء من المحكمة الإدارية بالعاصمة التي أصدرت حكما وُصف بالجريء ضدّ وزارة الداخلية التي منعت نشاطا كانت الجمعية المغربية لحقوق الانسان تعتزم تنظيمه في فضاء عمومي. حكمُ المحكمة قضى بإلغاء قرار المنع الصادر من وزارة الداخلية كما قضى بتعويض قدره عشرة ملايين سنتيم يتحتم على وزارة حصاد دفعه للجمعية المذكورة ، تعويضا عن الضرر الذي تسبب فيها قرار الوزارة للجمعية التي كانت تعتزم تنظيم ندوة بمقر المكتبة الوطنية يوم 26 شتنبر الماضي حول “الإعلام والديمقراطية”.
المحكمة الإدارية بالعاصمة سوف تنظر بداية دجنبر في قضية أخرى مماثلة، سجلتها نفس الجمعية ضد وزارة الداخلية، بسبب قرار المنع الذي اتخذته الوزارة بخصوص نشاط كانت تعتزم تنظيمه يومي 6 و 7 شتنبر الماضي بالرباط ووُوجه بتدخل أمني وبإغلاق مركز بوهلال في وجهها.
قضية أخرى سوف تنظر فيها المحكمة الإدارية، تخص هذه المرة، الاستئناف الذي تقدم به دفاع “الحرية الآن” التي رفضت السلطات الإدارية بالعاصمة، قبول طلب التأسيس وتسلّم طلب الإيداع لهذه الجمعية التي جعلت من بين أهدافها “المعلنة”، الدفاع عن حرية التعبير والصحافة.
وكانت المحكمة الادارية بوجدة قد أصدرت حكما يقضي برفض قرار وزير التعليم، بلمختار، الذي استبعد التوأم سلمي وسميّة المنحدرتين من بركان، من شهادة البكالوريا، الصيف الماضي.
ورغم تشبّث الوزير شخصيا، بقرار من أسماهم الخبراء المختصين في وزارته، ورفضه أن تتم مراجعة “دفاتر” التلميذتين، إلا أن المحكمة قررت إلغاء قرار بلمختار وتمتيع “التوأم الكامل الحقيقي” ــ بوصف المختصين في علم الجينات ــ، بحقهما في الحصول على شهادة البكالوريا، خاصة ونقط سلمى وسُميّة مرتفعة جدّا في باقي مواد الامتحان.
نحمد الله أن وُجد من بين قضاة المحكمة من كان يَفقهُ في علم الجنات وفي الخصوصيات البدنية والذهنية التي يتمتع بها التوأم الكامل الحقيقي أو “المونوزيغوط” الذي تكوّنَ في نفس البويضة ويتقاسم نفس المعطيات الجينية.
يبدو مما سردته ومن حالات مشابهة، على قلّتها، أن الطريق إلى الحصول عل حق من حقوق المواطنة، في مواجهة رجال السلطة أو الادارة العمومية أو أعضاء الحكومة، فرادى أو مجتمعين، هو القضاء وليس مكتب الشكايات الذي فقد أهميته ومفعوله مع تنامي سلطة القانون وتعزيز مكانة القضاء في مغرب العدل والحريات.
ـــــــــــــــــــــــــ
« Justice Patrie de l’Homme »
Jean – Charles LEGRAND
Casablanca 1960