قانون السير الجديد
نزلَ الإعـلان عن مشروع قانون السير الجـديد، كقطْعَة ثَلْج على أجْسَــاد المغـاربة، إذا استثنينـا البعض من رجــال الشُرْطَة المُرتَشين، ومن هُم على نَفْس المَقـَاس من ذوي الضمائر المَيّتـَة، في مهْنَـة الطِـب ، الّـذين يستلذون التـَلاعُب بـالأرقـام ، كلّمـا تعلّـقَ الأمْـر بالرّفــع من مَـَدد العَجْــز في حَوادث السيـر، أو غيرهــا، مُقــابل سَخـَـاء ذوي الحاجة لشَــواهد طبية، تُؤمّــن لَهُم إمْكانية الحصــول على تعويضات ربما تضاهي أطمــاعهم القـذرة، في أحـسن الأحـوال .
ومن بين ردود الفعل الملفتـة للنظر، أن كل الأصـوات المنادية بضرورة إيـقاف حرب الطـرقات الدامية، لم تبدي تأييـدهـا لجديـد مدونة السير هـاته، ولم يجـرؤ أيا كان نوعه أو جنسـه، أن يجهـر صراحـة بـولائـه لمثـل هذا النـوع من الميـوعة الجارفـة، التي أرخ لهـا الوزير غـلاب وأفرغ حمــولتهـا في معقـل المـؤسسة التشريعية، إرضـاءا لنفسـه الأمـارة بالسـوء، ونزولا عند رغبـة بعض الأقليـات المعاديـة لمصـالح شعـب بأكمله،
أمـا الفرق النيابية التي صوتت لفائدة إقــرار مشـروع القا نون الذي أثـار جـذلا واسعــا، فلم تحسـم في أمـر هـذا الاقتـراف، إلا بعد سلسلــة من الولائـم ومآدب العشـاء، التي أقامهــا الوزيـر” العبقـري”، يومهــا على شرف أنصــاره في قبة البرلمــان، لإعانتـه على تمريــر نص مدونتـة الملعــونة لحظة عــرضهـا على أنظـار المؤسســة التشـريعية.
ثُلّـة من عَنـاصر شُرْطَـة المُـرور المَعْـدودين علَى رُؤوس الأصـابع، من هُواة الفَسَاد الاداري والارتشـاء العلني، كمـا أسلفنا، ممن ابتهجـوا لمقدم القانون الجديد الذي يهيء لهم الأرضيـة الخصبـة، والفضاءات الواسعـة، لاصطيـاد ضحاياهم من سائقي السيـارات على قارعة الطـرقات، وإثقـالهم بالغرامـات الخيالية، طبقـا لما يجري التنصيص عليه في مدونة السير المباركة، أمـا الإيرادات المؤلفـة من كل مايتم سلبه بالقوة الجبرية من جيوب المواطنين البسطـاء، تحت طائلة التهديـد بسحب كل الوثائق الضرورية التي تخصهم، مع ما يرافق أي إجراء من هذا النوع، من تداعيـات تتفق مع الاجهــاز على الضحية، بسيل جارف من العقـوبات والغرامات، التي تفـوق حدود الخيــال، فخزينة الدولة للتذكير لاتحصـل الا على النزر القليل من هذه العائدات المالية، في حين تبقى حصـة الأسـد من نصيـب جيـوش المرتشين، الذين ينبتون كالفطـر، ولاينظرون خلفهم، والوجهـة المراد اتخاذهـا، هم بها على سابق معرفة، إما الاغتناء بسرعة البرق أو لاشيء آخـر !!
-إنهـم يريدون المواساة لأنفسهم فقـط… *
وفي أعقـَـاب الافـْـراغ من تمـرير ما سُمي في حينـه بـمدونة السيـر، كـان كل شيء جاهـزا للاحتــفال بالنصـر على المغــاربة، بعدما تمـكنت بعض الأقليــات المضاربة بمصــالح البلاد، من تطـويق شعـب بأكملـه، بنصـوص قانونـية غاية في التعـسف، أقلهـا خطـورة بمقـدورها أن تقود أي مواطن بسيط الى السجن للفنـاء وراء القضبان، بدون سابق إصرار، مـادام أن اتساع دائرة الرشوة، بات ركنـا ثابتا في أبنيتنا اللاواعيـة حتى الآن، وتعجز هياكـل المجتمـع المغربي عن الفكـاك منه، فكيف يمكـن لقانون كمدونة الوزير غلاب، أن تستبيـح لنفسهـا الإصـرار على تحديـد نسبة العجـز الجسدي في 21 يوما، تـؤدي بالسائق لا محـالة الى السجـن،..؟! في الوقت الذي يعلـم فيه تماما المصـابون بأمراض نفسيـة مزمنة، من الذين أوكلت إليهم مهمة صياغة نصـوص المدونـة، بأن نسب العـجز لها أسعارها الخاصة في سوق بعض الأوسـاط الطبيـة، تخضع لأعـراف البيع والشراء، طبقـا لطبيعة الاتفـاق الذي يتولى الطبيب إبرامه مع الضحيـة، بمقتضاه يصيـر بامكـان أي كائن يدفـع بسخاء، الضفر بشواهـد طبـية، يفوق تعداد أيامها الخمسة والثلاثين يومـا أو أكثـر، تخول له ربما، امكـانية التهافت في الاتجـاه الذي يضعـه وجهـا لوجه،مع شركة تأمين، فقد مسيروهـا صوابهم، فيحضى منهم بتعويض، طـال انتظاره عبثا .
وأمام هـَوْل هذه القفزة الغـارقة في التجـربد، وغير مأمونة العواقب، في مجــال تسطيـر القوانين بدون أية مراعـاة لخصوصيـة واقع المجتمع المغربي، فإن السواد الأعظم من المغاربة، يظل مرشحا فوق العادة للإعتقــال والاقامة في السجـن قسـرا،كلما أجبـرته قســوة بنود قانون السير الجديد على الاستسـلام لقدرهـا المشؤوم، فهل يمكن لسجـون المملكة، على كثرتها، أن تستـوعب كل المرشحين المحتملـين لفاجعـة الاعتقـال، بالنظر لكثافتهم المحتملة وصعـوبة تقـدير حـجمهم العددي .
ومن باب الاشـارة فقط، فـان المُلاحَظات التي أبْديْنــاها في مــا أسموه بمُدونة السير وإن اتضح للقارئ أنها كانت مُحملة باشارات تنزع الى التنديد أحيانا بجديد قـانون ولــد ميّتـًـا، في بيـئة اجتماعية ليست له، خاصـة إذا عَلمنا أن هـذا القانون تم استِنْسَـاخه بــالحرف من قوانين السير الجــاري بها العمل في الـدُول الاسكندنابية أمثـال السويد والنرويـج، فهل يعقـل أن يضع الوزير غلاب بلدا كالمغرب أغلب ساكنته على أعتاب الفقـر، على قدم المسـاواة، مع دول يفـوق مستوى دخلهـا الفردي، سقف مداخيل عالم بأكملـه.؟!
.طـــارق المــالكـي