قيــامُ اللّيل دأبُ الصّـالحين
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقوم اللّيْـل و يُحَافظُ على قيام الليل شُكْرًا لخَالقهِ على نِعمهِ العَظيمة عليه؛ قــالت سيّدتنــا عــائشة رضي الله عنها: كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتّى تتفطّـر قـدمـاهُ ، فسألته قــائلة : « تفعـل هذا و قـَدْ غَفَر الله لكَ مــا تقَدّمَ من ذنبكَ ومــا تأخـر »،
فرد عليهـا «ألا أكون عبدًا شَكُورا؟!» إن شُكر الله على نعمه تكون بالتقَرُب إلى الله بالفرائض والنوافل؛ كلما فكر العبد في نعم الله عليه، دعاه ذلك إلى التنافس في صالح الأعمال.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة غُرفًــا، يرَى ظُهـورها من بُطونها، وبطونها من ظهورها » قـالـوا لمن يــا رسول الله ؟
قــال : «لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام، وصلى باللّيل والنـّاس نِـيـام».
المسلم يتهَجّـد ويَعبُد ربّـه، و يشكي ذنبه، و يُنـاجي ربه، فيسأله جنته ومغفرته ويستعيذ به من عذابه، ويرجو رحمته وفضله وإحسانه، إنه يقوم من فراشه ومن لذيذ نومه ليقف بين يدي مولاه في تلك اللحظات المباركة، حينما ينزل الله سبحانه وتعالى إلى سمائه الدنيا ولم يبق إلا ثلث الليل الأخير، فينادي ربنا الكريم: هل من سائل فيعطى سؤله، هل من مستغفر فيغفرله، هل من داع فتجاب دعوته؟؟؟
أخي المسلم، إن في قيام الليل فرصة لتسأل الله وتشكو إليه حالك، وترجوه من فضله، وتسأله ما أحببت من خير الدنيا والآخرة، اعلم أخي المسلم أنك تسأل كريما وقريبا مجيبا وغنيا حميدا، يحب من عباده أن يسألوه ويلتجئوا إليه، لأن الله وعدهم الإجابة فضلا منه وكرما؛ قال جابر بن عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه، وذلك كل ليلة».
إنّ قيــام اللّيـلِ نعْمَـة يَمُنّ الله بها على من يَشاء من عبادهِ . الـقـائـم لهذا الــوقت يجد لَــذّة وسرُورًا وانبساطًـا و انشراح الصدر و قـرة عين ، وهـو قـائم يتلــو و يتدبّــــر كتاب الله، ويسبح الله ويحمده ويثني عليه، ويلجأ إليه، إنها نعمة عظيمة لمن وفق لها، ولا يعرف قدرها إلا من منح هذه النعمة؛ إن الذي يرجو رحمة ربه، لا يفوت من تلك النعمة ولو جزءا يسيرا، فما يزال العبد يألف تلك الطاعة ويحبها حتى يوفقه الله سبحانه وتعالى، فيجعله ممن اعتاد هذا العمل الصالح ورغبه وأحبه.
لقيام الليل أسبابا لمن أراد ذلك، فمنها الحرص على الإقلاع عن السهر ما وجد إلى ذلك سبيلا والحرص على قراءة آية الكرسي عند النوم، في الحديث: «من قرأ آية الكرسي كل ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح»، ويقرأ خواتم سورة البقرة، فمن قرأهما في ليلة كفتاه، كان رسول الله صلى عليه وسلم إذا أوى إلى فراشة يقول: «اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا الله، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم». كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع كفيه فيقرأ فيهما: سورة الإخلاص وسورة الفلق و سورة الناس ثلاثا، ثم يمسح بهما رأسه ووجهه وما استطاع من جسده.
إن قيام الليل نعمة من نعم الله، يمن الله بها على من يشاء من عباده؛ فما أعظمها من نعمة لمن وفق إليها.
جريدة طنجة