كشكول عجيب من العنف ضد الأنثى
لفتَ انْتبـاهـي، و أنـا ابحثُ فـي أوراقي عن موضوع هذا الأسبوع لركن” فضاء الأسرة“، برنامج جامع كلحسن “مباشرة معكم” الذي خصّص حلقة الأربعاء الماضي لملف المُناصَفة والمُساواة ، من منْظُــور دستور 2011، في إطار اليوم العــالمي لحقوق الانسان.
المُشَاركات و المُشَارك الوَحيد في هذِهِ الحَلْقَة ، أفضن و أفـاضَ في التّعْـريف بالمُناصفةِ والمُسَاواة بين الـرّجـُل و المَرْأة وأنّ المُنَـاصفة تشكـّل آلية للوُصول إلى المساواة التّــامة بينهما اعتبارًا للــدور الّـذي يضْطَلعـان به سويًا في المجتمع. وهو ما يوجب رفع كل أشكال التمييز بينهما على أساس الجنس وتمكين المرأة من فرص التعلم والتوظف والولوج إلى مناصب القرار على جميع المستويات. وبدون ذلك، فإن المجتمع لن يمكنه تحقيق الإقلاع الصحيح في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وبينما كانَ حَديث كَـافــة المُتدَخلات وهُنّ مَسْؤولات في مُنَظّمات وطنية تشتغل على حمـاية حُقــوق المــرأة ، طلع مُعــدّ الــبرنامج ببعض الأفكــار الغريبة التي تُشكك في غاية مَشْرُوع المُناصفة، منها أن البعض يَــرى أن المناصفة قد تُحدث خللًا فــي المُجْتَمَع على مستوى الجنس و اللّــون واللّغــات، الأمر الذي نَفَتْهُ المُشاركــات، بــل إن إحداهن أصَــرّت على تصحيح مقولة جامع كلحسن كون إن السياسيين يُؤثثون الفضاء بالنساء داخل المجالس المنتخبة، مؤكدة أن المنتخبات اللائي لا يمثلن إلا نسبة ضئيلة من الرجال، يقمن بدور فعال في تدبير الشأن العام والشأن المحلي، ويتحملن مسؤولياتهن بجدية و كفاءة عالية.
و كـردّ فعْـل قـَوي علَى كَـلام جَـامع كْلحسن، صاحَتْ المُتدخّلـة في وجْههِ قــائلَة “ارفَعـُــوا الحصار عَن الـدستور” وعَن فصولـهِ التي تُكرّس المُناصَفَة والمُسَاواة بين الـرّجُل و المَرْأة في الحقوقِ والـواجبـات . و لعَلّهـا كــانت تـعـرف لمن وجهت هـذا الكــلام خـاصَة و مُسْودة قَـرار المُنــاصفة سُلّمت لوزارة الأسرة من طرف اللجنة العلمية التي أشرفت على إعدادها، منذ يونيه 2013، وأن المغرب سيواجه انتخابات جهوية وجماعية وتشريعية دون أن يتوفــر على آلية للمُنــاصفة تضـع حَـدّا للمــُزايدات السياسية في موضوع مشاركة المرأة في الحياة العامة.
و مَـا رأيكم أن ننتقل من بـرنامج “دوزيام” إلى موضوع آخر له عــلاقة بالمرأة وبالعنف الممارس ضِدّهــا و الـذي يجد في المجتمع المغربي مَرْتعًــا له بامتياز، حيث يبدو أن بعض الرجال اختاروا معاكسة العزيزة الحقاوي وأصروا على أن يكونوا “شماتة” وأن ينهوا نزاعاتهم الأسرية بـ “تخسير” وجوه زوجاتهم باستعمال شفرة الحلاقة.
فقد أصْدرَت مَجْموعة البنك الدولي بشراكة مع مَعْهَـد المــرأة العالمي بجامعة جورج واشنطون وبنك التنمية في الدول الأمريكية، دراسة حديثة حول العنف ضد المرأة الذي يعتبر عائقا أمام التنمية الاجتماعية والاقتصادية وأمام الجهود المبذولة عالميا لمحاربة الفقر ، وأن ظاهرة العنف هذه ضد المرأة قد تتسبب لها في إعاقات نفسية أو عضوية ما يضطرها إلى أن تتوقف عن العمل وأن تعرض أسرتها إلى الضياع خاصة إذا كانت تعيل أبناءها.
كما كشَفَت الدّراسة أن زواج الأطفال وخثان الإناث وجرائم الشرف والعنف الأسري والاغتصاب ، تعتبر أكثر أشكال التمييز وعدم المساواة بين الجنسين مما يُؤثر سلبا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية سواء في البلدان المتقدمة أو “المتأخرة” ، كما هي الحال في بلادنا، …ولا فخر .ا..
وأودّ أن أختم هذا “الكشكول” العجيب من الفظاظات والمعاناة والانتهاكات الجسيمة التي تُمارس في حق المرأة باسم الدين تارة وباسم الدنيا تارة أخرى، بندوة بثت على إحدى القنوات الفرنسية، مساء الخميس الماضي، حول الإجهاض في المغرب.
التحقيق قَـدّم أرقامـًا مُفزعَـة عنْ الإجهاض في بلادنا ولو أن عامّـة النّـاس و خـاصتهم يعلمون بحقيقة الوَضْع بهذا الخصوص في بلادنا وما يترتب عنه من كوارث انسانية واجتماعية.
الجديد في القناة الفرنسية أن طبيبا توجه عند عالم بالرباط ليستفتيه بشأن حكم الإجهاض في الاسلام، فنفى المستفتَى وجود حكم شرعي في الموضوع. والجديد أيضا أن قاضيا شارك في الندوة الإعلامية سبق وأن أصدر حكما بعشر سنوات سجنا نافذا ضد طبيب قام بإجهاض حامل لم تكن ترغب في الحفاظ على جنينها لأسباب شخصية.
هذا بينَمـا تَسْتَعد الجَمْعيّة المغربية لمحاربة الإجهاض لتقديم ثاني تقرير يرصد واقع الإجهاض بالمغرب، ويتضمن أرقاما ومعطيات صادمة حيث تحدث عن أزيد من 1400 حالة إجهاض تجرى يوميا بالمغرب، بصفة سرّية، وأكد التقرير أن الحالات المسجلة تضاعفت في السنوات الأخيرة بشكل مهول.
ويرى العديد من المتتبعين أن الوضع الحالي أصبح يستلزم استصدار قانون جديد ينظم الإجهاض في المغرب، طالما أنه حقيقة لا ينبغي تجاهلها بأي حال من الأحوال أو تجاهل الأسباب الإنسانية أو الاجتماعية أو الصحّية التي قد تدفع الأنثى إلى التخلّص من الجنين الذي تحمله في بطنها والذي قد يكون نتيجة اغتصاب أو تشوّه جيني أو ثمرة زنا المحارم وقد تنامى بسرعة مدهشة في المجتمع المغربي هذا النوع المشين من الممارسات الجنسية المُحرَمة ، ضدا على الدين والملّة والأخلاق العامة .
وعلى صعيد آخر، يجمل التنويه بـمبادرة الاتحاد الأوروبي الذي قدم ممثله بالرباط دعما ماليا بمبلغ 17 مليون درهم، للجمعية الوطنية للتضامن مع النساء في وضعية صعبة من أجل مساعدتها على الاعتناء بوضعية الأمهات العازبات. السفير الأوروبي نوّه بنشاط الجمعية وأشار إلى أن المجتمع المغربي استوعب جيّدا ظاهرة الأمهات العازبات لما لها من آثار سلبية، في المستقبل، على المجتمع ككلّ .
و هكذا نرى أن الأجنبي يعمد إلى مساعدتنا على مُعالجة عُيــوبنــا و أمراضنا بينما تَنتفِخُ “أشْداقنــا” صباح مساء، تمجيدًا للذات و للمُنجَزات، دون أن نلتفت إلى الوراء، بين الفينة والأخرى ، لنرى حالة ثلثي المغاربة المعزولين عن باقي التراب إما بالفقر أو بالتسلط، أو بانعدام أسباب التواصل المادية أو حتـــى بالفيضانات التي “جاد” بها الغيث ولم نُحسن استثمار هذا الغيث الذي هو خير لنا وحياة….لوكنتم تعلمون وتعملون .ا.ا.ا…..
بقلم : سُميّة أمْغَـار