قفص الحريّة
جريدة طنجة – آية الحساني :
الثلاثاء 09 ديسمبر 2014 – 10:42:52
خلفَ نافذةٍ بلّورية وقفتُ لحظة ضَجرٍ أترقّبُ حركَة المَارّيين . أتطلّعُ هُنا و هُناك ،
ألتفتُ يمينًا ويسارًا ، و أسْترقُ كلمات المَارة المُتقطّعة و الغير المَفهومة .
مللتُ من حَديثهم الضجر ، وتـأففتُ على مُصطلحاتهم الدنيئة … أغمضتُ عيْنايْ
لثـواني معدُودة ، لألمح بعدهــا سرب طيـور آتِ من بعيد . سرب يُحلّـق و يـرفـرف فـي
سَماءِ نقية صافية . لا همَّ لها سوى ما ستسد به رمـق يـومها . سرب يتـراقص فيما
بينه ليشكل لـوحة راقصة راقية ، و يـزقـزق محدثًـا نـوطات متباينة ؛ تلك النوطـات
سرعان ما تتـزاوج فيما بينها محدثـة مـوسيقى إبداعية تطرب الأذن ، تشرح القلب ،
وتضاعف هرمون السعادة في الدم … أمعنت النظر في عرض السرب السيركي ،
كأنه أحس بإختناقي و أسرع في إنجادي بعرضه الممتع … حسدت الطيور على
حريتها اللامتناهية .. بل وتمنيت أن أكون عصفورة ، صغيرة ، مدللة ، حرة ،
طليقة ، مرتاحة ، مرفرفة في سماء الدنيا ومحلقة في هوائها . أداعب و ريقات
الشجر ، وأختفي من زخات المطر ، و أتغزل بعطر الزهر . أغمضت عيني مجددا ؛
متخيلة هذا المشهد . لكن وللأسف لم أجد ما تمنيته . و فجأة !! بدت علامات
الحيرة و التساؤل تعلوا وجهي ، و ملأت ملامحي تقاسيم أسف و أسى . كثرت
أسئلتي ، وتنوعت مخاوفي وقلت : أين تلك السعادة التي لمحتها في حركات
العصافير ؟ أين هي الزخارف و الألوان و الأشكال التي ظننت أنها خصيصة عالم
الطيور ؟ أين تلك الزرقة التي كنت أتخيل أنني أداعبها وأتلذذ بملمسها ؟ أين
تلك المشاعر التي غمرتي وأثارث فضولي للإقتراب ؟ فأنا الآن عبارة عن
عصفورة مكسورة الجناح ملقاة في قفص ؛ قفص الحرية. تضمني فيه قضبان متينة ،
وأبواب موصدة و نوافذ محكمة الإغلاق .. لا أرى لي أي سبيلا للتحرر من قيودي
المتينة هاته ! فلم أعد أستمع أي صدى لأصوات العصافير ، ولم أعد ألمح شمس
الأمل والدفئ . لم يعد لعطر الزهر أي وجود ، ولم أعد أتدغدغ بقطرات المطر ،
ولم أعد أتأرجح في غصون الشجر . تتلذذ أجهزة المراقبة الصاعقة لي بأصوات
أنيني ، تظن أن بكائي غناءا ، متجاهلة بسمتي التي تواري ألف دمعة ودمعة .
ومتناسية ما قاله أحد الشعراء :
لا تحسبن رقصي بينكم مرحا …
فالطير عند خروج الروح يبتسم .
حتى
و إن جَهزوا لي قصرًا يظل في نظري قفصًـا .. أريد أن أتخلص و أتـحرر من بيت
الخضوع ، و أتمنى أن أسبح مجدّدًا في مسبح السماء الصافية … أزعفتني هذه
الغفلة الياقظة ، وعكرت صَفْوَ مـزاجي . لذلك قــررت أن لا أطال الأحلام ، وأن
أتشبث بواقعي المشوبك . تفاديا تأثيرها القاتل لدواخلي . عدت للنافذة
البلورية ذاتها ، وعدت مجددا لروتيني اليومي ، أسترق كلمات المارة و . . .
متجسسة بين الفينة و الأخرى على قفصي الحر .
هكذا
قالت لي إحداهن ، قالت لي ذلك من طالها الحُزن حد الألفة . وأصبحت تسعد
بمرافقة الحُزن لها !! فهي حين تنزعجُ ، تسئم ، تقَصت هَذا الـواقـع تـرتمي في
أحضان قفـص حرُيتهـا ..
ألتفتُ يمينًا ويسارًا ، و أسْترقُ كلمات المَارة المُتقطّعة و الغير المَفهومة .
مللتُ من حَديثهم الضجر ، وتـأففتُ على مُصطلحاتهم الدنيئة … أغمضتُ عيْنايْ
لثـواني معدُودة ، لألمح بعدهــا سرب طيـور آتِ من بعيد . سرب يُحلّـق و يـرفـرف فـي
سَماءِ نقية صافية . لا همَّ لها سوى ما ستسد به رمـق يـومها . سرب يتـراقص فيما
بينه ليشكل لـوحة راقصة راقية ، و يـزقـزق محدثًـا نـوطات متباينة ؛ تلك النوطـات
سرعان ما تتـزاوج فيما بينها محدثـة مـوسيقى إبداعية تطرب الأذن ، تشرح القلب ،
وتضاعف هرمون السعادة في الدم … أمعنت النظر في عرض السرب السيركي ،
كأنه أحس بإختناقي و أسرع في إنجادي بعرضه الممتع … حسدت الطيور على
حريتها اللامتناهية .. بل وتمنيت أن أكون عصفورة ، صغيرة ، مدللة ، حرة ،
طليقة ، مرتاحة ، مرفرفة في سماء الدنيا ومحلقة في هوائها . أداعب و ريقات
الشجر ، وأختفي من زخات المطر ، و أتغزل بعطر الزهر . أغمضت عيني مجددا ؛
متخيلة هذا المشهد . لكن وللأسف لم أجد ما تمنيته . و فجأة !! بدت علامات
الحيرة و التساؤل تعلوا وجهي ، و ملأت ملامحي تقاسيم أسف و أسى . كثرت
أسئلتي ، وتنوعت مخاوفي وقلت : أين تلك السعادة التي لمحتها في حركات
العصافير ؟ أين هي الزخارف و الألوان و الأشكال التي ظننت أنها خصيصة عالم
الطيور ؟ أين تلك الزرقة التي كنت أتخيل أنني أداعبها وأتلذذ بملمسها ؟ أين
تلك المشاعر التي غمرتي وأثارث فضولي للإقتراب ؟ فأنا الآن عبارة عن
عصفورة مكسورة الجناح ملقاة في قفص ؛ قفص الحرية. تضمني فيه قضبان متينة ،
وأبواب موصدة و نوافذ محكمة الإغلاق .. لا أرى لي أي سبيلا للتحرر من قيودي
المتينة هاته ! فلم أعد أستمع أي صدى لأصوات العصافير ، ولم أعد ألمح شمس
الأمل والدفئ . لم يعد لعطر الزهر أي وجود ، ولم أعد أتدغدغ بقطرات المطر ،
ولم أعد أتأرجح في غصون الشجر . تتلذذ أجهزة المراقبة الصاعقة لي بأصوات
أنيني ، تظن أن بكائي غناءا ، متجاهلة بسمتي التي تواري ألف دمعة ودمعة .
ومتناسية ما قاله أحد الشعراء :
لا تحسبن رقصي بينكم مرحا …
فالطير عند خروج الروح يبتسم .
حتى
و إن جَهزوا لي قصرًا يظل في نظري قفصًـا .. أريد أن أتخلص و أتـحرر من بيت
الخضوع ، و أتمنى أن أسبح مجدّدًا في مسبح السماء الصافية … أزعفتني هذه
الغفلة الياقظة ، وعكرت صَفْوَ مـزاجي . لذلك قــررت أن لا أطال الأحلام ، وأن
أتشبث بواقعي المشوبك . تفاديا تأثيرها القاتل لدواخلي . عدت للنافذة
البلورية ذاتها ، وعدت مجددا لروتيني اليومي ، أسترق كلمات المارة و . . .
متجسسة بين الفينة و الأخرى على قفصي الحر .
هكذا
قالت لي إحداهن ، قالت لي ذلك من طالها الحُزن حد الألفة . وأصبحت تسعد
بمرافقة الحُزن لها !! فهي حين تنزعجُ ، تسئم ، تقَصت هَذا الـواقـع تـرتمي في
أحضان قفـص حرُيتهـا ..