على أباطرة الإسمنت التفكير في الاستثمار في المرافق الرياضية
قـالَ حسن أجنوي، الإطـار التّقني الطنْجـاوي إنّهُ عـادَ إلـى مسقط راسهِ، طنْجـة، بصفَة نهـائية للتفـرُغ لمشروعهِ الرياضي ” مدرسة الهلال”. وأكد المدرب المحترف في البرتغال، قطر والإمارات، إن جاء ليسدي خدمات للرياضة ببلده ومدينته لأنه مدين لهم بذلك بعدما كانت بداية تكوينه هنا، كما جاء في (حوار السبت):
بماذا تفسر وجودك بالمغرب مرة أخرى، وبطنجة بالتحديد؟
جئت للاستقرار بصفة نهائية بطنجة بعد غياب دام 22 سنة، خضت خلالها تجربة كبيرة وطويلة جدا في عالم الاحتراف. بدءا من البرتغال التي قضيت بها 15 سنة، مرورا بقطر لثلاث سنوات، سنتين مع نادي العربي وسنة مع السلية مدربا مساعدا للمدرب الألماني أولي اشتيليكيه و 4 سنوات بالإمارات، سنة مع نادي كلبة كمدرب مساعد ثم مدرب أساسي، وثلاث سنوات مدربا لمنتخب سيدات الإمارات.
بما أن أطول مرحلة قضيتها كانت بالبرتغال، ما هي أبرز محطاتك هناك؟
أحسن مرحلة هي التي قضيتها في البرتغال بطبيعة الحال. كانت تجربة جميلة جدا في عالم الاحتراف. وأحسن فترة قضيتها هناك حين اشتغلت بنادي أكاديميكا سنة 2001، مدربا مساعدا ثم مدرب أساسي واستمرت معه لمدة أربع سنوات. وهو أحد الأندية المحترمة بالدوري البرتغالي، رغم أنه هذا لا يلعب الأدوار الطلائعية بالدوري البرتغالي على غرار سبورتيغ ليشبونا وبنفيكا، لكن النادي له جمهور في شتى أنحاء البلد ومحبوب لدى العديد من المتتبعين للشأن الكروي بالبرتغال. سيما أن النادي ينتمي لمدينة كويمبرا، وهي مدينة جامعية وكان النادي يعتمد على لاعبين يتابعون دراستهم بالجامعة. لكن هذا التقليد بدأ يندثر، و لم يعد محافظ عليه في السنوات الأخيرة التي أصبح خلالها نادي أكاديميكا يعتمد بدوره على انتداب لاعبين من الخارج. وكانت تجربة غنية آمل أن أفيد بها بلدي لأنني أعزي تكويني لبلدي المغرب الذي كانت فيه بداية تكويني، بالتحديد بمعهد مولاي رشيد ولعبت لعدة أندي مغربية، ما يؤكد حق بلدي في أن أرد له هذا الدين، وأظن أن الوقت حان لهذه العودة بصفة رسمية. وهي مناسبة كذلك للوقوف والمواكبة عن قرب لمشروعي الرياضي، المركب الرياضي ومدرسة هلال طنجة لكرة القدم لمنحها بعدها الحقيقي حتى تكون نموذجا في كرة القدم الحديثة.
كيف تمت ولادة مشروعك؟
ربما كنت ( أخي السعيدي)، من الحاضرين في الخطوات الأولى لهذا المشروع الذي جاء كفكرة من خلال مناقشة مع بعض الأصدقاء حول اندثار ملاعب كرة القدم بطنجة، سيما ملاعب الأحياء التي شهدت غزوا من طرف أباطرة الإسمنت، وإقبار سياسة التكوين وتفريخ مواهب كرة القدم بالمدينة. ونحن نعتبر أنفسنا ثمار لهذه الملاعب ( الأحياء)، التي اندثرت. فأقر الجميع بضرورة التفكير بجدية في تعويض هذه الملاعب من خلال خلق مشاريع من هذا النوع. ولما كنت في البرتغال اطلعت على نموذج من هذا المشروع، وقلت مع نفسي لما لا أنجزه في مدينتي، طنجة. ومن هنا انطلقت الفكرة وبدأ التطبيق بالمرور من الحلم إلى الحقيقة و التنفيذ. والحمد لله توفقنا لأن النية كانت حسنة من جميع الأطراف. سواء من طرفنا أو من طرف مسؤولي المدينة الذين قبلوا بمشروعنا وبأفكارنا.
هل تتفضل بشرح استراتيجية هذا المشروع وإلى اين وصل؟
الخطوات الأولى للمدرسة بدأت منذ 3 سنوات. وسطرنا لها بعض الأهداف باتخاذ وجهات مختلفة. فالوجهة الأولى التي لا تقبل التغيير هي الهدف الأسمى المتجلي في الحفاظ على ممارسة كرة القدم كوسيلة للتربية وليس كهدف. فالطفل حين تأتي به الأسرة للانخراط بمدرستنا، سيستفيد بالأساس من مبادئ الاندماج الاجتماعي. أن يتقبل التعامل مع الغير. أن يتعلم مبادئ الأخلاق والحفاظ عليها. وبدون شك أن الطفل سيصطدم بأمور داخل الملعب، لكننا مطالبين بتلقينه طرق التعامل مع الوضع باحترام، وتقوية الشخصية، حتى يصبح يتعامل مع الفوز والهزيمة والأصدقاء بكل قابلية وبكل احترام. هدفنا المساهمة و إتمام التربية في المجتمع. وهذا الهدف كما قلت اساسي ولن نتنازل عنه. والوجهة الثانية التي سطرناها هي عدم البحث عن النخبة. لأن هذا الأمر لا يعني مدرستنا. ونحن نهدف إلى منح فضاء رياضي للأسرة وللأطفال حتى يمارسون كرة القدم في أحسن وأنسب الظروف. أما أن يكون الطفل مشروع لاعب للمستقبل فذلك أمر مرتبط به ولا يعنينا نحن في الوقت الراهن. وهذا ما جعلنا نفسح المجال للانخراط في مدرستنا في سن خاص، ابتداء من 3 سنوات وإلى حدود 12 سنة. وهذا السن يصعب من خلاله تحديد مواصفات الطفل الذي قد يكون لاعب جيد في المستقبل، وكما قلت أن الهدف الأساسي تربوي أكثر منه كروي. لأن المدارس التي من الواجب عليها البحث عن النخبة هي مثلا، مدرسة اتحاد طنجة التي لها أهداف أخرى تتجلى في تطعيم فئاتها الصغرى إلى حدود الفريق الأول. ونرحب بأية اتفاقية شراكة مع مثل هذه المدارس كي نوجه لها لاعبينا، وليست لنا أية مشكلة في هذا الجانب. وقد نعتبر أنفسنا قاعدة صغيرة لهذه الفرق، سيما اننا الوحيدين المتخصصين في استقطاب أطفال في سن مبكرة.
لماذا هذا الاستثناء في استقطاب أطفال في سن مبكرة؟
لأننا بدأنا التجربة مع الأطر السابقة التي كانت تسهر على التأطير بالمدرسة، ضمنهم أساتذة الرياضة، منهم العربي اللواح، البشري الروبيو، الجامعي. لا أنكر أنهم أبلوا البلاء الحسن. وأشكرهم على التضحية والكفاءة التي اشتغلوا بها. لكن هذه السنة فكرنا في خطوة جديدة وتجديدية باللجوء إلى الاعتماد على العنصر النسوي. لأن هذا العنصر يتميز بكفاءات خاصة، من حنان وعطف. وهذا الخيار منحنا نتيجة طيبة جدا. وبدون شك ستتساءل من أين قدمنا بهذا العنصر النسوي. والجواب بكل بساطة أن الفكرة لم تخرج عن الاهتمام بالعنصر المحلي. حيث لجأنا لفريق فتيات البوغاز الذي يمارس في البطولة الوطنية للإناث. وطرحنا فكرة انضمام اية لاعبة لها رغبة في العمل معنا كي تصبح مدربة، وأخذت على عاتقي مسؤولية تكوينهم. وهن اليوم يشتغلن وبالتالي في إطار التكوين، حيث أشرف شخصيا على تكوينهن سواء بالملعب أو بقاعة الاجتماعات التي يتوفر عليها مرفقنا الرياضي، بالنسبة للنظري. وهن حاليا يسرن في الطريق الصحيح. صحيح أنهن حاليا بدون شواهد. لكنهن سجلن أنفسهم لاجتياز التكوين والاختبار لنيل ديبلوم “دال” الذي تسهر عليه عصبة الشمال تحت إشراف الجامعة خلال الشهر المقبل. طبعا طرحت عليهن هذه الفكرة ووجدت فيهن الحماس والرغبة، سيما انني لا أقبل خرق القانون بالاعتماد على مدربات بدون شواهد. تجاوزت هذا الأمر استثناءا، لأن انتظار مدة شهر لن تؤثر على مشروعنا. وأعقد أملا كبيرا في مدربات مدرسة الهلال ومستقبلها. وبهذا العمل نساهم في تحقيق كذلك الاندماج الاجتماعي، من خلال فتح فرص العمل لمشتغلين جدد في هذا المجال الذي كان يفتح في وجه عناصر حاصلة على شغل وتتخذه كعمل إضافي أو ثانوي. سيما أن بلادنا وشبابنا في حاجة إلى فرص العمل للعاطلين وليس للذين يتوفرون على منصب شغل ونزيدهم فرصا أخرى لمزيد من الربح المادي.
كم عنصر يشغل مشروعكم؟
هذا سؤال مهم جدا. سأسطر لك باختصار أهداف مشروعنا الذي كان من بين أهدافه الرئيسية مناهضة أباطرة الإسمنت الذين لا يفكرون سوى في بناء العمارات في غياب تام لمرافق ترفيهية ورياضية التي تبقى حقا من حقوق الأطفال والشباب الطنجاوي. والحمد لله أن مشروعنا يوجد في مكان آمن وخال من التجزيئات السكنية، وهذا ربح كبير. والهدف الثاني هو أن نعطي نموذجا للمستثمر المغربي على الخصوص كي لا تبقى أعينه منصبة على الاستثمار في بناء العمارات والمقاهي. وأن يقلدنا في مشروعنا. لأننا لا نخاف من التقليد أو المنافسة. بل بالعكس نحن نوجههم ليحذوا حذونا وأن تنتشر مشاريع من حجم مشروعنا مثل ( التيليبوتيك) كي يستفيد أكبر عدد من شباب المدينة. ونحن نفرح حين نجد عددا كبيرا من الممارسين يقبلون يوميا على ملعبنا ويجدون فضاء رياضي صحي، يتوفر على جميع مواصفات الملاعب العالمية. سيما أن طنجة تفتقر لمثل هذه المشاريع.
والجانب الثالث هو فتح مجال للتشغيل. فمشروعنا يشغل حتى اليوم 10 أشخاص يتوفرون جميعا على حقوقهم ومسجلون في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
لماذا اخترتم إسم “الهلال”؟
الهدف هو ربط الماضي بالحاضر. لأن الهلال كجمعية تأسست سنة 1919، كان لها تاريخ كبير بأهداف متنوعة، كانت تنشط في الرياضة والثقافة والمسرح. ومتشبعة بالوطنية وناهضت الاستعمار، حيث كانت تلعب أدوارا سياسية كذلك. ونحن حاولنا أن نكرم هذا الإسم بحمله من جديد.
هل تفكر في العودة للميدان مدربا من جديد؟
أكيد عندي رغبة كبيرة للعودة للتدريب بشوق كبيرلتلك الأجواء، اشتقت للضغط والحضور الجماهيري. سيما أنني غبت لمدة ثلاثة أشهر، منذ أن قدمت من الإمارات. أكيد انني سأتفرغ لتأسيس أرضية مشروعي. لكن الحنين للعودة لدكة الاحتياط قائم. وقد وضعت نهج سيرتي لدى مجموعة من الأندية بالإضافة إلى الإدارة التقنية الوطنية. ووصل ملفي للسيد ناصر لاركيت المدير التقني للمنتخبات الوطنية الذي عقدت معه اجتماعا في الرباط. ووضعني في قائمة المدربين المرشحين للاشتغال بإحدى فئات المنتخبات الوطنية.