براءة مبارك وإدانة الثورة – خليل العناني
يقول نص الحكم في الصفحات من 108 وحتى 111 (حيث انتهج محور الشر المؤلف من أميركا وإسرائيل وإيران وتركيا وقطر لتنفيذ ذلك “المخطط” بالمنطقة العربية أمرين، أولهما غزو العراق ….. وثانيهما تجنباً للتكلفة العسكرية، وما يستتبعها من خسائر بشرية، تثير شعوبهم عليهم، فقد دلفوا من باب، وتخفوا فيه خلف ستارٍ، أسموه، ظاهرياً، البرنامج الأميركي “الديمقراطية والحكم الرشيد”، ثم وصفوه بحروب الجيل الرابعٍ، بزعم تغيير الأنظمة الحاكمة المستبدة بلا عنف، بإثارة النعرات الدينية، أو الطائفية، أو العرقية… وفي الوقت ذاته، استجلبت منظمات أجنبية بالخارج قلة من شباب ذلك التنظيم، المتستر خلف عباءة الدين، أو المهدرة طاقاتهم بأوطانهم العربية، فجندتهم لخدمة أهداف غير نبيلة، أوعزت بها من خلال عقد دورات للتدريب على الاحتجاج والاعتصام والعصيان المدني والتظاهرات، لشل بلادهم وتعطيل العمل بها…. وذلك من خلال تمويلهم بالأموال والعطايا من بعض الدول الأجنبية، حتى ولو كانت خصماً من معونات مقررة لبلادهم، وهو ما نفذته على أرض الواقع بعض التنظيمات المتسترة خلف عباءة الدين، ومن آزرهم”.
وفي موضع أخر في صفحة 111، يقول نص الحكم إنه “بمعاونة بدو سيناء، استقبل ذلك التنظيم الإخواني خارجياً من مساء يوم 27 يناير 2011 الغزاة من عناصرهم الأجنبية والعربية لجيش الإسلام وكتائب عز الدين القسام وحركتي حزب الله وحماس… وتسللوا، بأسلحتهم المتطورة ومعداتهم القتالية الثقيلة، ومفرقعات وألغام وذخائر… وهاجموا جميعاً، في ميقات متقارب، وبزمن قياسي متزامن، من عصر يوم 28 يناير 2011، لإسقاط الدولة المصرية عصفاً بضربة موجعة لشرطتها، فعرج فريق بعدوان شديد صوب الأقسام والمنشآت الشرطية والممتلكات العامة والخاصة…. مما أسفر عن استيلائهم على 15500 قطعة سلاح آلي وخرطوش من جهاز الشرطة… بينما فريق آخر تولى اقتحام العديد من السجون المركزية المصرية بعنف، وإخراج كافة المساجين، والبالغين 23710 مساجين، بينهم قادة ذلك التنظيم الإخواني”.
تم ينتقل الحكم إلى فقرة أكثر إثارة في صفحة 113، ليقول “فانتهزت ميليشيات ذلك التنظيم الإخواني صنيع هذه القلة المنحرفة، فأثاروهم وتناثروا، منفذين واقعياً لمعتقدهم “عايز تولع مظاهرات هات فيها دم”، وأطلقوا ذخائرهم من أسلحة بحوزتهم، تارة على أجسام المصريين من المحتجين، وتارة أخرى على أفراد الشرطة، أو القوات المسلحة، وذلك من مسافات قريبة، أو زوايا متباعدة، أو من أسطح البنايات، أو خلافه، فقتلوا وأصابوا الكثير”.
ولو أنك، عزيزي القارئ، تملك قليلاً من الصبر والثبات الانفعالي، وتقرأ النشرات الإعلامية، المسماة بهتاناً بالصحف المصرية، أو تشاهد برامج “العلف الليلي”، المسماة زوراً برامج “التوك شو”، لوجدت أن مثل هذا “التبيان”، كما أطلقوا عليه، لا يختلف كثيراً عن التقارير التي “يضربها” مخبرو أمن الدولة والمتعاونون مع الأجهزة السيادية داخل الأذرع الإعلامية، والذين يسمّون زوراً وبهتاناً صحفيين وإعلاميين، وليس حكماً صادراً عن هيئة قضائية، أو عن قضاةٍ، لديهم الحد الأدني من الفكر والعقل والضمير، في محاكمة سمّوها خطأً “محاكمة القرن”. فالحكم يحتوي على “خلطة” من الترهات والشعارات والكلام المرسل، “المنقوع” في نظرية المؤامرة، تمثل حبكة درامية فاشلة، وسيناريو “هوليوودي” ركيك، لا يمكن تمريره إلا على قطعان من الماشية و”الخرفان”، لا تفقه ولا تعقل.
ولو أنك، عزيزي القارئ، ترعرعت في حقبة الثمانينيات والتسعينيات، لأدركت أن نص الحكم لا يختلف كثيراً عن روايات “رجل المستحيل”، أو سلسلة “كوكتيل”، للدكتور نبيل فاروق، أو عن مجموعة روايات “فانتازيا”، للدكتور أحمد خالد توفيق التي كان هدفها التسلية، وتضييع أوقات الفراغ في مقاعد الفصول الدراسية، فارغة المعنى والمضمون.
ولا أستبعد أن يكون فريق المحامين المدافعين عن مبارك في هذه المسرحية الهزلية، المسمّاة بمحكمة القرن، قد تأثروا بهذه الروايات في أثناء إعدادهم دفوعهم، وقد نجحوا في إقناع هيئة المحكمة الموقرة بنظريتهم التآمرية، من أجل تبرئة مبارك وإدانة ثورة يناير وشبابها بترديد المقولات والمصطلحات الكبيرة، مثل “حروب الجيل الرابع، وميليشيات حزب الله وحماس… إلخ”. يريد هؤلاء جميعاً أن نصدق كذبهم وخرافتهم، ونكذّب أعيننا التي شاهدت شرطة مبارك وحبيب العادلي، وهي تفتح النار على المتظاهرين، وتقتلهم بالرصاص الحي، أو دهساً بعربات الأمن المركزي. يريدوننا أن ننسى مشهد المصريين أعلى كوبري “قصر النيل”، يوم “جمعة الغضب”، وهم يواجهون مجرمي الداخلية.
يريدوننا أن ننسى موقعة “الجمال والخيول”، صبيحة الأربعاء الثاني من فبراير2011 التي أغارت على المتظاهرين بتخطيط وتمويل ودعم رجال الحزب الوطني الفاسدين، ونجح شباب الإخوان فى صدهم وإجهاض “غزوتهم”.
يريدوننا أن ننسى شهادات وتصريحات رموز مبارك والعادلي، بعد الثورة مباشرة، التي دانت مبارك ورجاله بقتل المتظاهرين، بمن فيهم عمر سليمان.
يريدوننا أن ننسى شهادات ضباط وأمناء الشرطة عمن فتح السجون، وأطلق عقال البلطجية، لكي يعيثوا في الأرض فساداً ويقتلوا الشرفاء، مثل اللواء محمد البطران.
يريدوننا أن ننسى صور الشهداء، سالي زهران ومصطفى الصاوي وحسين طه وأحمد بسيوني وأحمد إيهاب ومحمد محروس، وغيرهم مئات ممن قضوا بأيدي الشرطة في مختلف ربوع مصر.
لن ننسى، وسنحكي لأولادنا عن جرائمكم، وعن الدماء التي تلطخ أيديكم، ولو صدر ألف حكم ببراءتكم جميعاً.