المرأة الذكية
جريدة طنجة
الخميس 25 دجنبر 2014 – 11:43:57
وفـــي يــوْمِ مَرضَ التّــاجرُ مَرضًـا خَطيــرًا ، ولـمْ يُفلـح الأطباء في شفائهِ ؛ ولمّــا أحسّ الــرّجُــل بدُنُــوِ أجلهِ نــادى زَوجتهُ وقـــال لها: ” أيتها المرأة الطيبة،سأموت قريبا،إنني أحس بذلك،سأموت وأكبر ولديٌ الصغيرين في السادسة من عمره،وأخاف بعد موتي أن تتزوجي رجلا لايحسن معاملة أولادي ؛ فهَلْ تُعــاهدينني على عَدم الـزّوَاج حتّـَى يكبُر الولــدان،و سأجعلُ المـــال في يديك والوصاية لك عليه ؟”.فَعــاهدته -الـزوْجـــة- علــى هذا.
ولم تمْضِ أيــّام حتّى مَــاتَ ،كــانت ثـــروته كبيرة وأعماله واسعة ، فحــاول التّجار و أقـــارب الرجل إقنــاع الزوجة / الأرملة بأن تترُكَ الــوصاية وتتخلى عنها ؛ لكن شيخ التُّجــار قال : “مادامت المراة تقرأ وعاقلة فإن من حقها الوصاية“.
و تحَمّلَت المرأة مسؤولية الأعمال ،و حفظت الأموال ، و رَعَت تِجــارة زَوجها ، فنَمَت و ازدَهَرت ، وأحْسنت تَربية وَلدَيْهَـا ، وكانت تبيت الليل ساهرة تصلي إلى وقت متأخر ، وازداد طمع التجار وأراد أحدهم أن يتزوجها ، فأرسل اليها إحدى قريباته لتخطبها له، وبين لها أن كل غرضه أن يرعى أولاد صاحبه و أنه لايطمع في الأموال ، لكن الزوجة الوفية رفضت ، وتقدم تاجر آخر ورفضته كذلك ، وظلت ترفض الواحد بعد الآخر ،حتى تأكد التجار أنها لا تريد الزواج.
ومضت ثلاث سنوات والمرأة وفية بعهدها ؛ لكن أحد التجار، وكان أكثرهم طمعًــا ، دبّـرَ خُطّـة ، فقـد كـانت هُناك عِصابــة من اللّصُـوص ، عَشْرَة لُصـوص و زعيمهم . كــانت هذه العصابة يخْشاهَــا كل التُّجــار و يدفعـون رَشْوة لـزعيمها لكي يتجنّبــوا أذاه . وكـان زَوْج المـرأة يدفـعُ كذلك بدَورهِ ، لكن الـزّوجة رفضت أن تدفع للعصابة بعد أن مات زوجها،فتركوها دون أن يهتموا بأمرها ، فذهب التاجر إلى زعيم العصابة وقال له: “إنني واثق من أن هذه المرأة عندها من المال الشيء الــوفير ، فـأريدُ أن تسرقها ، وعندئذ سترضى أن تتزوج بى ، فطالماهي تشعر أنها غنية فسترفض الزواج ” ، ففرح زعيم العصابة وقرر سرقة المرأة.
وفي منتصف الليل كان اللصوص العشرة وزعيمهم قد صعدوا إلى سطح المنزل ، فأحست المرأة بهم ، وكانت قائمة تصلي في غرفة نومها ، وبجانبها ولداها،فارتبكت وبكت،وتوجهت إلى الله تعالى وقالت : “يارب إنني امرأة مسكينة،فساعدني يارب والهمني الحيلة لأتغلب على اللصوص “،فقرأت الفاتحة ، وحين انتهت من قراءتها،أيقظت ولديها وأفهمتهما أن في المنزل لصوصا فوق السطح،وأنهم كثيرون،فخاف الولدان وشرعا في البكاء،لكنها طمأنت خاطريهما وأوصتهما بالثبات وبثت فيهما الشجاعة وقالت لهما : “سأقعد أمام باب الغرفة وأسألكما هل نمتما ، فأجيبانى لا لم ننم،وسأسألكما عن السبب،فأجيبانى،لأننا نريد منك أن تحكي لنا حكاية.
وكان اللصوص يرغبون في سرقة الأموال دون ضوضاء أو ضجيج، فنظروا إلى داخل الدار فوجدوا الضوء في غرفة المرأة وسمعوها تقول: “هل نمتما يا أبنائى”؛ فأجاب الولدان : ” لا إننا نريد أن نسمع منك حكاية”؛ فقال زعيم اللصوص لعصابته : “إن المرأة مستيقظة ولم تنم بعد”؛وسمع المرأة تقول: ” سأحكي لكما حكايتي أنا، وماذا حدث بينى وبين أبيكما،ففي اليوم الذي تزوجني أبوكما لم أكن هكذا،بل كان لي سبعة أثداء، ثلاثة أثداء على يمين صدرين،وثلاثة على الشمال،وثدي في الوسط”؛ فسألها الولدان: “وهل أنت كلبة ياأماه ؟” ، فأجابت:”لا أنا من بني آدم،لكن الله يخلق ما يشاء،فلتسمعا ما حدث لي مع أبيكما ” .
أثارت الحكاية اللصوص وأخذوا يستمعون هم بدورهم ، واستأنفت المرأة حكايتها وقالت : “كنت أعيش عند أبي حين جاء أبوكما وخطبنى ولم يكن يعلم بالطبع أن لي سبعة أثداء،وحين تزوجنى وأراد أن يدخل بي ليلة العرس خلعت ملابسى ، وما أن رأى أبوكما أثدائي السبعة حتى خاف مني فلم يقربني،وفي الصباح قال لي ،إن الله أمر بالستروأنا لا أستطيع أن أتزوجك… وسأحفظ سرك ، لكنني سأطلقك، فبكيت وناشدته أن يرجع عن رأيه وقلت له،لو طلقتني تكن قد قسوت علي ولم تسترني،لأن الناس سيسألون عن السبب وأنا لا ذنب لي، فقد خلقنى ربي هكذا،وإنني أعدك أن أصلح الأمر ويكون لي ثديان فقط،فهات سيفك،وفي كل يوم تعال وأنا أعري لك صدري واقطع ثديا من أثدائي؛ فأحضرأبوكما سيفه وكان كل يوم يقطع ثديا من أثدائي”. فسألها الولدان : “ألم يكن يؤلمك ثديك وهو يقطع بالسيف ؟”، فأجابت المرأة :”والله لقد كان يؤلمنى ألما فظيعا وكنت أصرخ واه ، واه ، واه، واه ” ومضت المرأة تصرخ -بأعلى عقيرتها- واللصوص يستمعون ناسين كل شئ.
ولما سمع الجيران الصراخ دخلوا البيت واجتمعوا في صحن الدار،عندئذ قالت المرأة ياجيرانى: “أغيثونى ، إن اللصوص فى أعلى الدار”؛ فــأمسكوهم جميعهم،وأخذوهم إلى الحاكم ولما حكوا له ما حدث ضحك كثيرا وأعجب بحكمة المرأة وسعة حيلتها ، وأنب اللصوص قائلا،” هل ذهبتم للسرقة أم لسماع الحكايات ، وحكم عليهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات .
مضت السنون، وأنهى اللّصــوص و زعيمهم مدة سجنهم،وخرجوا من السجن، لكنهم أرادوا الإنتقام من المرأة ، وتسللوا إلى منزلها ، فأحست بهم كما أحست في المرة السابقة ، و تضايق زعيم اللصوص حين وجد الضوء ينبعث من غرفة المرأة ، فقد كانت تصلي، وأيقظت المرأة ولديها ،وطمأنتهما وأوصتهما بما يقولان لها وكيف يجيبان على كلامها ، واستمع اللصوص وزعيمهم للمرأة تسأل ولديها : “هل نمتما يا ولدي؟” ، فأجاب الولدان: “لا لم ننم بعد يا أماه،لأننا نريد أن نسمع منك حكاية “، فقالت : ” سأحكي لكما حكاية عن أبيكما قبل أن يعمل تاجرا، فقد كان لصا قبل أن يشتغل بالتجارة ، لكنه كان أمهر لص بين اللصوص وكانت لديه حيلة لدخول المنازل لاتخيب أبدا ، فلم يكن يكسر الأقفال أو يقفز فوق السطوح أو يستخدم الحبال”؛ فأنصت اللصوص وأرهفوا السمع ، يريدون أن يعرفوا تلك الحيلة الفريدة التى كان زوج المرأة يستخدمها في دخول المنازل ، واستأنفت المرأة حديثها وقالت : “إن حيلة أبيكما كانت بسيطة وسهلة ، لكن لايعرفها أحد من اللصوص ، لقد كان يحضر الصابون ويدهن به ظهره، ويصعد إلى المنزل الذي يريد سرقته ويلحق ظهره بالجدار وينزلق عليه بخفة “؛ فسأل زعيم اللصوص : ” من منكم يذهب ويأتي لنا بالصابون؟ ” ؛ فــأسرع لص من اللصوص ليحضر الصابون ، واستمرت المرأة تحكي عن سرقات زوجها ومغامراته ، وحين جاء اللص بالصابون وألصق ظهره بالجدار وانزلق عليه ، وقع فوق الأرض مكسر العظام وأخذ يئن ويتوجع ، فسأل الولد أمه ، ” من الذي وقع من السطح ؟ “، فأجاب اللص وهو يصرخ ألما : “هذه حيلة أبيك “.
وخاف اللصوص مما حدث وهربوا ، وجاء الجيران وأخذوا اللص إلى الحاكم فعاقبه وسجنه بعد شفائه ، وحين انتهت مدة السجن، خرج اللص وذهب إلى اللصوص وزعيمهم وقال: ” والله إن الإنتقام أمر لابد منه ، هيا بنا نسرق تك المرأة ونذبحها” ؛لكن زعيمهم أجابه: “إنني أخاف هذه المرأة ، مرة تقول إنه كان لها سبعة أثداء ومرة تحكي حكاية زوجها اللص ، إنها ذكية ، ولن أجازف مرة أخرى بدخول بيتها” ؛لكن اللص الذي كسرت عظامه ، وسجن أياما كثيرة ، أقسم بأنه سيذهب بمفرده وأنه سيقتل تلك المرأة…
أخذ اللص سيفه وذهب ليسرق المرأة ويقتلها ، وكم كانت دهشته كبيرة حينما وجد الباب مفتوحا ، ورأى الضوء ينبعث من الغرفة ، فاقترب حذرا ، وكانت المرأة تنتظره وقد أوصت ولديها بما يقولان بعد أن أيقظتهما فسمعها تقول لهما : “قبل أن تناما أريد منكما أن تعرفا أين خبأت مال أبيكما لأنني أخبئه كل يوم في مكان مختلف ، فسألها ولداها: “وأين خبأت الأموال اليوم يا أماه؟”؛ فأجابت: ” لقد وضعته في ثلاثة قدور نحاسية وأنزلتها في البئر”؛ ففرح اللص فرحًا شديدًا و خــرجَ إلــى فنــاء الدار وخَلَــع ملابسه و وضعها بجانب البئر ، وأدلَــى الحَبْــل ، و نــزلَ إلــى أعماق البئر ، وظل يبحث ويبحث لكنه لم يجد شيئا فاغتاظ ، وعرف أن المرأة واسعة الحيلة وأنها خدعته ، فتسلق الحبل وخرج من البئر ، لكنه لم يجد ملابسه ، فوقف عاريا لا يدرى مايفعل ، وسمع المرأة تقول من داخل غرفتها : “مع السلامة لكن لاتنسى أن تقفل الباب وراءك “؛ فأجاب اللص: “سأمشي وأمري إلى الله ،لكنني لن أقفل الباب ،فربما يجيء إليك لص آخر فتسرقين ملابسه “.