أحمد الزيدي فقيد الإعلام الوطني
” المرحوم أحمد الزيدي، إضافة إلى تفوقه في إعداد وتقديم نشرات الأخبار المتلفزة، فإن عنصر توضيب وتحليل الخبر أو الحدث، أهم مميزاته الصحافية..
كانت كتاباته التحريرية، خالية من التعبير التقليدي الممل..وله قدرة مهنية على تلخيص التفاصيل..يهتم بمساحة الصورة، أكثر من مساحة الكلام..ولعله أول من أبدع هذا النوع من التواصل المتبادل مع المشاهد..كما أنه أول من بادر إلى جلسات التحرير اليومية، أثناء إعداد نشرات الأخبار..كان توجيهه لزملائه المحررين دقيقا وصارما..
أحمد الزيدي من المقتنعين بأن الخبر يفرض ترتيبه في سياق النشرة، وإن كان هذا الفهم السليم والصحيح لتقديمها، يخالف تعليمات الدولة، التي كانت تحرص أن تكون جميع أنشطتها في مقدمة النشرات..
كثيرا ما كان يواجه متاعب المهنة، بصراحته المهذبة.. لا يلون مواقفه..فما يخفيه هو ما يعلنه..
حين يتملق الإعلام للسلطة، ينزل مستوى الإثنين، عند مشاهد التلفزة، ومستمع الإذاعة، وقارئ الصحافة..هذه هي رُؤاهُ.. وهذا هو أحمد الزيدي.
كان رحمه الله، ينتقد جَهْــرا، إدعاءات الهاجس الأمني في مُختلفِ قِطاعات الإعلام، ويفند بآرائه ومواقفه، مقولة الغلط ،( أهل الثقة قبل أهل الكفاءة )..
كان أحمد الزيدي من أشد الرافضين المحتجين، لتولي ضابط من الجيش، إدارة التلفزة..كذلك كان موقفه الشجاع، عند ضم وزارة الإعلام لوزارة الداخلية، وتسليم إدارة الإذاعة والتلفزة للعمال والقياد، وتوزيع مرافقها وأقسامها على مساعديهم..
في هذه المرحلة الصعبة، كانت إذاعة طنجة، ترفع صوتها بقوة، مستنكرة ببرامجها الجريئة، هذا التحول البليد في مسار الإعلام الوطني..وكان الإعلامي أحمد الزيدي بجانبنا في مواجهة إعلام الداخلية.. و الحديث يطول في هذا الصدد..
كُنا معًا ضمْنَ بعْثَةٍ صَحافية كبيرة، أثناء زيارة الملك الحسن الثاني لإسبانيا في ثمانينات القرن الماضي..
كان أحمد الزيدي يغطي أنشطة التلفزة.. وكنت أغطي أنشطة إذاعة طنجة في لياليها المرهقة..
كان العزيز أحمد، ضيفي في برنامج مباشر من مدريد.. ونادرا ما يلتقي إعلاميان في حوار الأسئلة والأجوبة..كعادته، ودون مجاملات علاقة المهنة المشتركة، كان يجيب هادئا على أسئلتي المستفزة..وخلال تسلسل لقائنا الإذاعي، كان سؤالي المفاجئ، ألا يتبادر إلى ذهن أحمد الزيدي، أن تطرح قضية سبتة ومليلية، للتداول الرسمي بين الملك الحسن الثاني، والملك خوان كارلوس، ورئيس الحكومة الإسبانية فيليبيغونساليس..؟
كان جوابه : يبدو أن جدول الأعمال بين الملكين، متفق عليه قبل هذه الزيارة، وليس فيه أدنى إشارة إلى حق المغرب في استرداد جزء من أطرافه المحتلة..
حوار القمة بين المغرب وإسبانيا..سيكون حول الإستثمار، والسياحة، والصيد البحري..حتى إشكالية إلغاء تأشيرة السفر من طرف واحد، قد لا تطرح.
وكان رأي أحمد الزيدي، أن الحل الممكن لقضية سبتة ومليلية، هو التراجع بسرعة عن أفكار ( المغرب غير النافع )، وإخراج شماله من دائرة التهميش، والفوضى الإجتماعية.
وبازدهار منطقة الشمال اقتصاديا وصناعيا، من خلال مشاريع كبرى للتنمية الشاملة المستدامة، – كما نرى اليوم في عهد محمد السادس -، سنقترب أكثر، من تحرير سبتة ومليلية..
هكذا مُبكرا، كان الإعلامي أحمد الزيدي، يستلهمُ رُؤاه السياسيّة من منهج حزبه، حِزبنا جميعًــا الإتّحـاد الإشتراكي للقوات الشعبيّة .
نعم..حكومة عبد الرحمن اليوسفي، قبل عقد ونصف، هي التي أسْقَطَت إلى الأبـَد، نَظرية الشُؤم، ( المغرب غير النافع )، والتي كانت وراء الغنى الفاحش، لعصابات المخدرات والتهريب، ولصوص الأراضي الخضراء، والمباني الأثرية، ولحلفائهم المتواطئين في مراكز القرار الحكومي والإداري..لشديد الأسف أن حزب القوات الشعبية لم يكن ذكيا للتعامل كما يجب، مع مرحلة حكومة التناوب..
أما أحمد الزيدي البرلماني الإتحادي الصامد، فكان في كفاحه السياسي، مع المستقبل ضد التخلف، مع التغيير والتجديد، ضد السلفية الفكرية والسياسية، مع مبادئ تكافؤ الفرص، ضد تكريس تفاوت الطبقات الإجتماعية..مع حقوق المرأة والحرفيين الفقراء..
أحمد الزيدي رحمه الله، كان يُرَدّدُ بـاسْتمرار في أوْساطنا الإعلامية : مُصيبة بلادنـا بعـد الإستقلال ، خيانة النخبة السياسية و الثّقـافيـة ، لآمـال الشعب المغربي في الغـد الآخـر .. غد محو الأمية، و العَدْل، والمُساواة ..
قُبلة على جَبينك البارد أخي أحمد الزيدي..و إلى اللقاء قريبا “.