مستقبل الاتحاد الاشتراكي
جريدة طنجة – ذ. حامي الدين
الخميس 20 نوفمبـر 2015 -17:51:48
لا يمُكن للمُتابع لحَال الاتّحاد الاشتراكي إلاّ أن يُسجّلَ بمَوضوعية حاجة هَذا الحزب إلى خُطوةٍ شُجاعة لإنقاذ هذا الحزب ، الّـذي وصَل إلى دَرجـة من التصدع لم تَعُـد خَافـية على أحد..
أبرز مُؤشّر لهَذا التصدُّع، برزَ في الجَنازة المَهيبة للشَهيد “أحمد الزايدي” ، وفِي حفلِ التـّأبين الّـذي عرفَ غِياب رئيس الحزب وأعضَاء المكتب السياسي، مُقاـبل الحُضور القوي لتيار الإنفتـاح والـدّيمقراطية، الّـذي تُشير جميع التَوُقعات إلى أنّهُ وصلَ إلى القطيعةِ معَ القيادة الحالية للاتّحـاد.. كمعني بـواقع التّحول الديمقراطي بالمَغرب، وكمُـؤمن بـدور هذا الحزب في تطويـرِ المَسار الديمقراطي، من الـلّازم تشخيص الحـالـة الـراهنة للاتحاد، وفهم الأسْباب العميقة لما آل إليـه ، واستكشاف مُمكنات الإنقـاذ المُتـاحة.. المكان الطبيعي للاتّحاد كان إلى جَانب القِـوى السياسيّة المُنـاضلة من أجلِ الدّيمقراطية وبناء دولة القـانـون، ورغم بعض الاختيارات «المُغامرة» للاتحاد في مراحل سابقة، فَإنّ الحزب اصطَفّ إلى جانبِ قـوى التّغيير الديمقراطي السلمي في البلاد..
في سنة 2008 حينَما تمّ الإعْلان عن تأسيسِ غير طبيعي لحزب الأصالة والمعاصرة، نحَت حزب الاتحاد الاشتراكي مفهوم «الوافد الجديد»، وعبّرَ عن رفضهِ للطَريقة الّـتي تمّ بها تأسيس هَـذا الحزب، مُطالًبا بجبهة وطنية لإنـقاذ الـدّيمقراطية في البلد.. أتـذكــر أن إدريس لشكر، عُضْو المكتب السياسي آنذاك، كانَ من المتحمّسينَ لهذا الشِعار وخاضَ حملةَ التّنسيق مع قيـادة العَـدالة والتّنمية لبناء تحالُفات محليّة في عـدد من المُدنِ بعدَ الإنتخـابـات الجماعية، الّتـي عـرفت حصول حـِزب الأصالة والمعاصرة على الرُتبة الأولى بعد بضعِ شُهور من تأسيسهِ !! أثمَـرت هذهِ التّحرُكـات والمـُرونة الكبيرة، التي تعاملت بها قيادة العدالة والتنمية، بناء عدد من مكاتبِ المجالس الجماعية انعكسَت بشكلِ إيجابي على الحِزبينْ..
أتذكّـر حينَها أن بعض الشخصيات الاتّحادية كـانت تُحَـذّر قيـادات العدالة والتنمية من المُبـالغـة في الـوثُــوق بهذا الشخص، وكانت تَعتبر بأن تقاربُـه مع العدالة والتنمية هو بهدف تعزيز موقعه التفاوضي والابتــزازي وبحثهِ المُستمر عن لقب وزير بأي ثمن، حتَّى ولــو كـان بوَساطة من رموز «الوافد الجديد» في زمن التحكم.. بداية الأزمة الحالية داخل الاتحاد ابتدأت بعد الطريقة التي دخل بها إدريس لشكر إلى الحكومة السابقة، مُقـابــل التّحوُل الجَذْري فــي استراتيجية بناء التحالف مع العدالة والتنمية، وتَعمّقَـت هــذه الأزمة مع قرار رفض الحزب الدخول في حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران، طبعًا هذا قرار سِيادي للحزب، لكن هُناك اختلافاً كبيرًا بين قرار المُعارضة، الذي كان يُدافع عنه بعض الاتحاديين من منطلقات ديمقراطية، وبين المعارضة كما قام بتصريفها إدريس لشكر فيما بعد.. لكن انفجَار الأزمَة ظَهر في المؤتمر الوطني الأخير بعدَما أكّدَت عدّة مَصادِر من داخل الاتحاد وُجود تأثير في اسْتقلالية قَرار المُؤتمرين، ووُجود توجيه لصَالح الكـاتــب الأوّل الحالي..
وهُنا لم تعُد أزمَة الاتّحاد ذات طبيعة سياسية فقط، ولكن أصبحت أزمة ثقة وأزمة سُلوكيات أخلاقية.. الجنازة الحاشدة للشهيد أحمد الزايدي، كشفت عن أن الالتفاف الواسع لعدد من الاتحاديين يرجع إلى التفوق الأخلاقي الذي كان للمرحوم على غيره، كما يرجع إلى تشبث عدد من الاتحاديين باستقلالية قرارهم الحزبي.. الدفاع عن استقلالية القرار الحزبي عند المرحوم أحمد الزايدي لم يكن يعني الاصطدام مع بعض دوائر صناعة القرار، فكل من احتكوا بالرجل، يعرفون مرونته في العلاقة مع مختلف الأطراف..
الآن، ليسَت هُناك خِيارات أمَام قيادَة الاتّحاد.. يبدُو بأن تيار الانفتاح والديمقراطية حَسم أمرهُ باستحالة العمَل في إطَار القيادة الحالية، بعدما بدأت بعض قياداته تُجاهـر بأنّ النُسخة الحالية للاتحاد أصبحَتْ مرفوضة شعبيًا ومُجتمعيًـا، وهُــو ما يـؤشّر على انشْقــاق جَديــد داخـل حــزب الإتّحـاد.. شخصيًا، أعتقد بأن هذا التصدُّع ليس في صالحِ الديمقراطية التي تحتاج إلى أحزاب قوية، ولذلك، فإن الخطوة الشجاعة للحفاظ على وَحْدَةِ الحزب هي قيام الكاتب الأول على تقديم استقالته والدعوة إلى مؤتمر استثنائي يختار فيهِ الاتحاديّــون قيــادَةً جديدةً حِرصًا على المصلحة العامّة للبـــلاد..
واللهُ أعلَم..
بقلم: عبد العلي حامي الدين