” الحرب الباردة “
على امتدادِ فَترات الحَرب الباردة بين المُعسكرين، الغَربي و الشَرقي، ظهَرت على الدوام شعارات تنادي و تدعو بالويـل و الثبور للأمريكان و عملائهم، شعارات صنعتها قبل أن تتبناها الحركات المنعوتة بمرض “اليسارية”.
انطلقت “حرب الشعارات” ِضدّ الأمريكان الرأسماليين منذ نهاية الحرب الكونية الثانية و استمر ترديدها ردحا من الزمن، و كان معظم اليساريين يعتقدون بانهيار و زوال الولايات المتحدة،لأنها كانت ،حسب معتقداتهم النظرية، تعيش مرحلة “الامبريالية” و الامبريالية كمرحلة في التطور التاريخي للرأسمالية هي آخر المراحل المؤدية إلى هلاكها و انقراضها كنمط إنتاج أو حكم، وذلك طبعا وفق تقديرات كبار منظري الاشتراكية. خلال هذه الفترات من الحرب الباردة،كان اعتقاد اليساريين راسخا بكون الاتحاد السوفييتي يعد حليفا استراتيجيا لهم، و أن الأمر مسألة وقت فقط قبل انهيار الأمريكان الإمبرياليين و وقوعهم في الحضيض الأسفل، لكن الأمور لم تسر بهذا المنطق الكافر بالرأسمالية،و بدل أن تنهار الرأسماية، انهار جدار برلين و تبعه حلف وارسو و تفككت من بعده “الامبراطورية” الاشتراكية التي أسسها الرفيق “ستالين” رحمه الله، و صارت مجرد أطلال و رسوم. بعد انهيار “الجدار” اتجه الناس صوب الغرب و ولوا ظهورهم للشرق البائس ، فالحرية مطلبهم الأزلي موطنها هو الغرب الديموقراطي لا الشرق الاستبدادي، و هكذا سطع نجم اللبرالية و أفل نجم الاشتراكية الباهت، و انفرد الأمريكان بقيادة العالم و أصبحوا سادة له دون منازع، يمسكون أطراف العالم بأياديهم الطويلة، و في غضون ذلك داوم أقطاب اليسار الاشتراكية على رفع شعارات تلو أخرى منادية بسقوط الأمريكان، و بدل الاطلاع على السر الكامن وراء تقدم الأمريكان و صلابة بنيانهم كدولة عظمى، استمر أرباب اليسار و دعاته في صياغة الشعارات و ترديدها في المناسبات.
لقد بَغ الأمريكان مُنتهى دَرجات التقـدّم بيـن أمم العالم ، و صاروا قوة عالمية لا تقهر، لأنهم اكتسبوا أسباب العظمة، و العظمة، كميزة ينشدها الجميع، تتأسس على شرط اكتساب القوة ،و القوة ،في حالة الدول كما في حالة الافراد، لا يتحقق نيلها إلا بالتوفر على جيش جبار و اقتصاد قوي،و الأهم من ذلك السبق في تحصيل المعلومة،فالأمريكان خير أمة تعلم فوائد قاعدة تقول :معرفة الأشياء خير من جهلها،و هكذا لم يكتف الأمريكان ببناء جيش لا يقهر و اقتصاد عملاق، بل طورا جهازا للحصول على المعلومة في حينها، و لا يهم أن تكون الجهة المستهدفة موالية أو مناهضة لها، فالأمريكان لا يثقون إلا في أنفسهم. قد يناهض المرء دولة كأمريكا، لاسباب إيديولوجية أو عقائدية، لكنه في جميع الحالات لا يستطيع أن ينكر أن العظمة لا تتأتى لطالبها بالشعارات الطنانة بل بأخذ العبر من التجارب المفلحة التي ستخرجهم من بحر ظلمات التهيؤات، و التجربة الناجحة كما هو بين هي تجربة “الأونكل سام”
محمد العطـلاتي